على الرغم من الجدل الدائر حاليًا بين مجلس الشورى ووزارة الصحة بشأن مستوى الخدمات الصحية وتأكيد الوزارة بأن خدماتها تحسنت كثيرًا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، فإن الواقع كما يؤكد المرضى لا يزال على الأرض صعبًا للغاية في ظل طوابير الانتظار الطويلة من الفجر، وتباعد المواعيد للحصول على الخدمة ونقص الأسرة والأدوية وتراجع النظافة. وفي حين يؤكد أعضاء الشورى أن مشكلة وزارة الصحة ادارية بالدرجة الاولى نتيجة تغير الخطط والسياسات مع قدوم كل وزير جديد، فان الوزارة تؤكد أن خدماتها شهدت تطورًا شاملًا توضحه الارقام ويتمثل في دخول 33 مستشفى جديدة الخدمة وتعيين 18 ألف طبيب وممرضة وزيادة ميزانية الدواء إلى 3.7 مليارات ريال والتوسع في عمليات اليوم الواحد للقضاء على مشكلات التنويم. طوابير انتظار طويلة يقول المواطن ناصر العمري إن المشكلات التي تنتظر المراجعين في المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية تجعلنا نتساءل عن دور وزارة الصحة في الحد منها وتغييب المظاهر غير الحضارية في هذه المنشآت مثل الزحام الكبير والتهرب من تقديم الخدمة ورمي المسؤولية على الاخرين في احيان كثيرة. واوضح أن المواعيد لمقابلة الأطباء قد تتجاوز ثلاثة أشهر كما تتطلب وقوفا طويلا في الطوابير لعدم تفعيل القنوات الاخرى كالهواتف المجانية والمواقع الالكترونية وتبدو وزارة الصحة متأخرة في هذا الجانب مشيرا إلى انه بالإمكان إرسال المواعيد للمراجعين بعد نهاية مقابلة الطبيب عبر البريد الإلكتروني أو تفعيل خدمات بريدية خاصة بالصحة في ظل عدم وجود بريد لكل منزل أو أسرة لدينا. واضاف رغم أن العاملين في المستشفيات والمراكز الصحية من أكثر الشرائح معرفة ودراية بأهمية النواحي النفسية إلا أننا لا نلاحظ اهتمامًا بهذه النواحي فطبيب الأطفال مثلًا لا يمارس عمله في ((غرفة جاذبة للطفل ومحفزة له على زيارة الطبيب)) وهذا لا يعد قصورًا في أداء الخدمة الطبية بقدر ما هو ثقافة غائبة عن مستشفياتنا ومراكزنا الطبية. واضاف أن من حق المريض أن يعالج على يد طبيب يعرف مؤهلاته وخبراته وسجله الوظيفي حتى تطمئن النفس له ومع هذا لا نجد اهتمامًا ظاهرًا بهذا الشأن فما الذي يمنع الطبيب من ((عرض سيرته وشهاداته الطبية ومؤهلاته في أرجاء عيادته؟؟ وإن كان هناك أكثر من طبيب يستعاض عن هذا ببروشورات توضح لي كمراجع السجل المهني لهذا الطبيب الذي أسلمه أغلى ما أملك، وفي غرف التنويم كثيرا ما وجدنا سوء التكييف وتدني مستوىات النظافة وتواضع الأسرة لتحقيق الراحة الكاملة للمرضى. ويشير إلى ضرورة اطلاق خدمة زيارة موقع المركز الصحي عبر الإنترنت لحجز المواعيد. ويقول فهد الغامدي إن الحصول على رقم في قسم الأسنان بمستشفى الملك فهد العسكري بجدة يتم عبر مشهد يثير الاسى والاسف ولا يدل على احترامنا للإنسان فقد رأيت أعدادًا كبيرة من النساء قبيل الفجر يفترشن الساحات والممرات المجاورة لمبنى القسم الذي يعد مركزًا طبيًا متطورًا يحوي أفضل الأجهزة لكن في المقابل ليس هناك مظهر لاحترام الوقت ولا الانسان، وسألت عن سبب هذا التكدس فعقدت لساني الدهشة عندما قيل لي إنه لكي تحصل على رقم في هذا الصرح ومتى تأخرت عن الثامنة فقد لا تستطيع الحصول على رقم للمراجعة أو لمقابلة الطبيب في ذلك اليوم الانشغال بالاحاديث الجانبية. واشار المواطن عبدالرحمن حمياني إلى انشغال بعض الطواقم الطبية أحيانا بالأحاديث الجانبية وترك المرضى في طوابير الانتظار حتى تنتهي تلك الأحاديث لافتا إلى أن التشخيص الخاطئ للمرض من بعض الأطباء أدى إلى نفور المواطنين من مراجعة بعض المستشفيات والمراكز الصحية والذهاب للعلاج في المستشفيات الخاصة. ولفت إلى مستوى النظافة المتدني في بعض المستشفيات إلى حد رؤية الصراصير تتجول في الممرات وغرف التنويم كما تنبعث روائح كريهة من بعض الأقسام فضلا عن أن بعض الكوادر أغلبها تخصصات عامة مما يحرم المواطنين من العلاج اللازم. واشار إلى التردد الواضح من بعض الأطباء في التشخيص والتعامل الواثق مع المرضى مما يشكك المريض في كفاية هؤلاء الأطباء على ممارسة مهنة الطب. مشروعات متعثرة ويقول المواطن عبدالله الحسني من مدينة الباحة إن البرج الطبي الجديد لمستشفى الملك فهد في الباحة، يعتبر أحد المشروعات المتعثرة التي كان يفترض أن تسلم للجهات المختصة لبدء العمل فيه. ولا نعلم سبب تعثره في ظل تحويل الكثير من المرضى إلى عدة مستشفيات بالمملكة. ودعا إلى سرعة إكمال المشروع المتعثر منذ نحو ثلاث سنوات على حسب العقود. من جهته يقول الدكتور عبدالله الكعيد: المشكلة المُزمنة في المستشفيات الحكومية هي بطء وتباعد المواعيد بشكل غير معقول أو مقبول وكذلك عدم توفر أسرة للمرضى الذين يحتاجون إلى تنويم مما يؤدي إلى تفاقم المرض وربما الوفاة لعدم المبادرة بسرعة العلاج. واضاف: سمعنا هذه الأيام عن مطالبة المرضى بشراء بعض الأدوية بحجّة عدم توفرها مؤكدا أن العلاج المجاني للمواطن حق لا يمكن التنازل عنه ولكن يمكن تنظيم هذا الأمر بتفعيل نظام التأمين الطبي لكل المواطنين وتخصيص (بيع) الكثير من المستشفيات للقطاع الخاص وبهذا يتم التخلص من عبء الصرف عليها وربما رفع مستوى الأداء. أعضاء شورى: مشكلة الصحة تكمن في الإدارة وغياب الخطط الاستراتيجية اعتبر عدد من أعضاء الشورى أن المشكلة الرئيسة في وزارة الصحة هى سوء الإدارة وغياب الخطة الاستراتيجية واضحة المعالم مشيرين إلى تغير برامج العمل بوصول كل وزير إلى هرم المسؤولية يقول د. عبدالله بن زين العتيبي رئيس لجنة الصحة والبيئة بمجلس الشورى: ان ادارة المرافق الصحية من العوامل المهمة للنجاح . مشيرا إلى أن نقص الخلفية العلمية في فن الإدارة لغير المتخصصين بها من أهم العوامل السلبية المؤدية للإخفاق أو لنقل سوء التخطيط ومن ثم الخلل في الإنتاج. ودعا إلى معرفة الدور الكبير لمن يدير المنشأة الصحية وأن أمامه ملفات حبلى بالعديد من القضايا الثابتة والمتجددة التي يجب أن تُرسم لها استراتيجيات وخطط مبنية على ما توصل له هذا العلم وبخاصة فيما يمس الجانب الإداري البحت. واضاف أن مجلس الشورى يسعى من جانبه إلى رفع مستوى مجلس الخدمات الصحية ليكون هيئة يقيم مستوى جميع المنشآت التي تقدم الخدمة في المملكة وليس مستشفيات وزارة الصحة فقط وبخاصة في ظل النمو الكبير في الاستثمار في المجال الصحي. وقال الدكتور طلال بكري عضو مجلس الشورى ان القيادة لم تبخل أبدا على أبناء شعبها فوزارة الصحة تأخذ حقها كاملا من الميزانية وفوق ذلك ما يقدمه خادم الحرمين الشريفين من دعم سخي لمختلف القطاعات الخدمية ومنها القطاع الصحي. واعتبر المشكلة إدارية بالدرجة الأولى وسوء تصرف في تلك المبالغ الضخمة فضلا عن ضعف الرقابة الإدارية والمالية على كيفية الإنفاق. وخلص إلى أن الوضع في كثير من المستشفيات دون المستوى المأمول من حيث الرعاية والكوادر الطبية وتوافر الأدوية ووجود الأسرة والنظافة مشيرا الى أن خطط الوزارة فردية تتأثر بوصول زيد أو ذهاب عبيد من الوزراء وليست خطط وطنية تنفذ بغض النظر عمن يتقلد الامور. ودعا الدكتور محسن الحازمي نائب رئيس لجنة الصحة والبيئة بمجلس الشورى إلى مزيد من الاستقلالية لمدراء الشؤون الصحية. واشار إلى أن التمويل موجود لكن الأزمة في تأخر المشروعات حسب المقاولين مشيرا إلى أن التشغيل الذاتي له سلبياته وابرزها عدم توفر الاسرة. ودعا الوزارة إلى التفرغ للرعاية الصحية الاولية واسناد التشغيل لغيرها متسائلا في السياق ذاته عن امكانيات القطاع الخاص حتى يقوم بالمهمة كاملة. القميزي: قلة الاطباء المؤهلين وراء شح الأدوية يقول الدكتور خالد القميزي استاذ الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بجامعة الملك سعود: تعاني القطاعات الصحية في الدول العربية من مشكلات متراكمة ادت إلى تردي الأوضاع الصحية في هذه البلدان وذلك لضعف الإنفاق او عدم استثماره بالصورة المطلوبة. واضاف أن المملكة شهدت قفزة في مجال الإنفاق على القطاع الصحي في الفترة الاخيرة ولم تشهد تغيرًا كبيرا في نوعية الخدمة المقدمة للمواطن وذلك يعود لعدة اسباب منها عدم تحديد الأولويات الصحية بشكل متوازن وحيادي وكذلك ضعف التأهيل في مجال الإدارة الصحية وقلة القيادات المتميزة وغياب التخطيط المبني على الاحتياجات المستقبلية. واشار إلى أن من الاسباب ايضا التضخم العالمي الذي رفع اجور العاملين في المجال الصحي إلى الضعف وفشل برامج التشغيل الذاتي لضعف الإدارات او جمودها وتذبذب الدعم الحكومي للقطاعات الصحية وتركيز المسؤولين على حل المشكلات الحالية دون النظر إلى المستقبل وعدم وجود الاراضي الحكومية مما يزيد تكلفة المشروعات او يعطل تنفيذها. اما بالنسبة لشح الأدوية فيعود السبب إلى قلة الاطباء المؤهلين مما يزيد عدد الوصفات غير اللازمة وقدرة المريض على التردد على اكثر من قطاع صحي والإصرار على توفير بعض الأدوية التي بامكان المريض شراءها مباشرة بدون وصفة رغم عدم جدواها من الناحية العملية مما يؤدي إلى توجيه المصادر إلى غير وجهتها الصحيحة. واشار إلى عدم مراقبة وتتبع مسار الأدوية مما يعطي الفرصة لأخذها من الصيدلية واختلاسها، ونظرا لان الوظيفة الحكومية بما فيها الاطباء وبقية الفريق الطبي شبه ثابتة وعالية الأمان فان المحفز على الإنتاجية قليل وقد ينعدم تمامًا بحيث يحرص العاملون على المطالبة بحقوقهم دون الرجوع إلى أداء الواجبات التي عليهم وهذا يفسر الفرق بين أداء الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص ولحل المشكلة يمكن تقييم أداء الموظفين بحسب الإنجاز وبصورة مهنية تؤدي إلى تحفيز المجتهد ومحاسبة المقصر .