تقول الأسطورة: كان للإله الكنعاني (بعل) غرام بدماء الأطفال، وفي يوم عيده كان الناس يأخذون زينتهم وسط الطبول والمزامير، التي كانت تطغى على صراخ أطفالهم وهم يحترقون على مذبحه (1) ويبدو أن هذا المشهد الوحشي ما انفك يتكرر في بلاد كنعان والهلال الخصيب التي ظلت عبر التاريخ أرضاً مخضبة بدماء أهلها تنزف تحت سلطة دكتاتور دموي أو حاكم ظالم . مشاهد العنف والمجازر داخل الثورة السورية يتبدى بها جميع المتوحش الدموي في ثقافة المكان وإرثه التاريخي، جميع المخزون البدائي العصيّ على التحضر والإنسانية الذي مابرح يتخلق منه المتسلط المستبد بلا انقطاع. والمتتبع لتاريخ الثورة السورية منذ بدايتها سيجد أنها سجل يبرز أهم خصائص البدائي والمتوحش في عمق الثقافة المحلية مثلا:- - إن كانت الهيئة العامة للثورة ولجان التنسيق المحلية اتفقت على تحديد تاريخ اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/آذار 2011-، إلا أنه بين اندلاعها وأول خطاب لرئيس النظام السوري بشار الأسد في نهاية شهر مارس(الذي لوح به بإصلاحات) سقط (1300 قتيل) فهو لم يسع إلى الحل السياسي إلا بعد 1300 شهيد سوري من طلاب الحرية والعدالة نحروا على مذبح الطاغية . - السلطة في سورية لاتستمد شرعيتها من الداخل، ومن التفاف شعبها حولها، ومن منجزها التنموي أو الحضاري، بل تستمد سلطتها من الخارج ومن دعم أنظمة لها مصالح استراتيجية وتحالفات في المنطقة، ويشرف على كل هذا جهاز استخبارتي ضخم عنيف، إذاق الشعب السوري الأمرّين على مدى عقود من النفي والسجن والتعذيب والمراقبة طوال فترة الحكم البعثي. - حالة التخلف الحضاري لدى شعوب المنطقة والتبعية المطلقة للدول الكبرى فهي المتنفذة وصاحبة القرار، حتى بات حلم المعارضة السورية والجيش الحر الآن أن يحدث هناك تدخل دولي لحقن نزيف الدم السوري. - الفشل الذريع للمشروع القومي العربي الذي كان النظام السوري يرفعه ويلوّح به وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، جميع هذا تلاشى واستلقى النظام السوري في أحضان النظام الفارسي بلا قيد أو شرط (المشروع القومي العربي ذاته كان قد تحول جثة منذ أول شبر سارت به دبابات صدام حسين داخل دولة الكويت). ومع الثورة السورية الحالية لم تستطع الجامعة العربية أن تقوم بإجراء ناجع واحد لحقن نزيف الدم السوري سوى تعليق عضوية سورية، وفي نفس الوقت الذي أعلنت فيه البعثة العربية لسورية وصولها لطريق مسدود. - وفي النهاية لم تظهر خصائص الحكم المتخلف الدكتاتوري في قمع الثورة السورية كما تبدت في (سيرك الإعلام) حيث تبنت القنوات الإعلامية السورية الخطاب الشعاراتي المرتفع المستجلب من مفردات ثورية كانت تحرك جماهير مخدوعة في القرن الماضي، مع استهانة بعقلية المتابع ووعيه، هشاشة الطرح وغياب المهنية، وغياب العمل الإعلامي الناضج المستقل. ومابرح الأطفال في سورية يُنحرون على مذبح الإله الكنعاني الدموي. (1)الأسطورة والتراث - سيد القمني-