تعد بريطانيا من أوائل دول العالم من حيث احترام حريّة الصحافة ويفاخر البريطانيون في هذا الشأن بريادة الكاتب الإنجليزي "جون ميلتون" الذي ألف سنة 1644 م كتاب Areopagitica مطالبا البرلمان بحريّة النشر وإلغاء الرقابة. ومع كل هذا إلا ان اللون الفكري والسياسي يؤثر في تحقيقات وحتى طبيعة أخبار بعض الصحف البريطانيّة تبعا لانتماءاتها الفكريّة والمصلحيّة. والإشكال أن بعض الكتاب والباحثين العرب لا يدقّق في هذه الخلفيات المهمة وبالتالي قد يبني أفكاراً عامة أو يستخلص إحصاءات لا تكشف كامل حقيقة المشهد البريطاني. وصلني قبل أيام مخطط رسالة دكتوراه من طالب عربي يدرس في بريطانيا يطلب الرأي في مشروعه ووجدت أن الباحث (والصحفي) يحاول أن يستقصي تغطيات الصحف البريطانيّة لبعض مظاهر الحراك العربي دون أن يفصل في محاوره خصائص الصحف حتى يمكنه المقارنة العادلة بين المدارس الفكريّة والسياسيّة التي تنطلق عنها هذه الصحف. وحين سألته كيف ينظر للصحف بهذه الصورة العموميّة أجابني أنه بحكم المتابعة لسنوات لا يكاد يرى كبير فرق بينها فيما تطرح. والحقيقة ان الدارس الراصد للمحتوى التحريري وأعمدة الرأي في الصحف البريطانيّة سيجد أن هناك صحفاً ذات رؤى يساريّة وأخرى يمينيّة وصحف وسط و أخرى صفراء شعبيّة تتّجه للطبقة العاملة بهمومها واهتماماتها. فمن المعروف أن أهم الصحف البريطانيّة المؤثرة كانت تقليديا مع المحافظين تساند خطّهم اليميني ولم تشذ إلا في أحوال قليلة. ومن هذه الصحف "التلغراف" "الصندي تايمز" "الديلي ميل" "ديلي اكسبرس" وصحيفة "التايمز" العريقة. والغريب أن صحيفة "صن" الشعبيّة(تابلويد) ظلّت تساند المحافظين دعاة الحفاظ على الأسرة ودور الدين في المجتمع مع احتفاظها بخط تحريري قريب من الفضائحي. وعلى الخط المعاكس نجد أن صحفا مثل "الغارديان"و"الاوبزرفر" ساندت الخط اليساري وإن كان اليسار في نسخته البريطانيّة ربما يتساوى مع اليمين في الدول الاشتراكيّة (سابقا) خاصة مع تضاؤل الفروق بين قطبي السياسة البريطانيّة "العمّال" "والمحافظين" وتسابق الساسة في الحزبين المتنافسين للحاق بغبار أقدام العم "سام" في العقود الأخيرة. وقد عانت الصحافة البريطانيّة من هذا التأرجح في الخط السياسي لبعضها خاصة تلك التابعة «لروبرت مردوخ» تبعاً لمصالحه، خاصة في حقبة التحالف "ضد الإرهاب" مع بوش الابن. ويستذكر البريطانيون مساندة الإعلام للسياسة التي انتهجها "حزب العمّال" خلافاً للرزانة البريطانيّة، ويتندّرون في تلك الحقبة على هرولة "توني بلير" العمّالي الليبرالي (خلف) "بوش الابن" المحافظ العقائدي. كان "بلير" يقول نحن مع الأمريكيين shoulder to shoulder "كتفا بكتف" أي انه يعمل شريكا لا تابعاً. وقد ردّ على ذلك المغني البريطاني"جورج مايكل" بأغنية ساخرة مصورة بعنوان اطلق النار على الكلب "Shoot The Dog" صوّر فيها "بلير" مثل "الجرو" مع سيّده بوش. **مسارات: قال ومضى: أنّى لك أن تحسن الاعتذار .. وكل قدراتك قد سخرتها للإساءات.