واجهنا في الرمضانات القليلة المنصرمة وبينها رمضان الاخير مشكلة قد تسبب متاعب كبيرة للفن الدرامي في المملكة في المستقبل. أصبح من تقاليد الفن الدرامي في المملكة أن يبدأ الممثل الشاب حياته الفنية بالتقليد. يقدم شخصية شايب او سوداني أو شمالي أو يماني أو حجازي أو قصيمي. ثم يسجن نفسه فيها أو يسجنه المنتج. تصبح سمته. لا يفلت منها بسهولة. تقليد شخصيات من النوع الذي كنا نمارسه في المسرح المدرسي أيام زمان. انتقل هذا الفن من الشارع إلى الميديا قبل حوالي خمسين سنة. ربما مع بداية الإذاعة السعودية. وسع التمامي والهزاع وحسن دردير وغيرهم مداه. كسب الاعتراف الرسمي بالضرورة. لا يوجد منافس ولا يوجد بديل في ذلك الزمن. أحفاد هؤلاء يعيدون تنظيم صفوفهم من جديد. هذا النوع من الفن يقوم على السليقة. يقوم به مجموعة من الرجال يعرفون بالعيارين. لا يحتاج إلى تحضير أو كتابة نص. مجرد أن الرجل يعيش مع فئة معينة يستطيع أن يقلدها. يضحكون الناس ببعض القفشات القائمة على سرعة البديهة والحضور الذهني والتمرس. تلعب نظرة الناس للفئة المستهدفة بالتقليد دورا مهما في انتاج الضحك. القيمة تختلف. مرة تكون الاحتقار وأحيانا التشفي أو الانتقام. تقليد فئة اجتماعية تعيسة أو طبقة أو شعب معين أو أصحاب ديانة أخرى أو تقليد مسؤولين.. الضحك في الغالب لا يأتي من قدرة الفنان على إضحاك الآخرين وإنما يأتي من تكييف المتلقي لعملية التقليد. من نظرته للفئة التي يتم تقليديها. عشرات من فناني الاسكتشات يقلدون اليماني أو السوداني ولكن لا أحد يقلد الكويتي أو الإماراتي. من الصعب اعتبار الفن الشعبي القائم على العيارين فنا. في احسن الاحوال يمكن أن نعده فنا بدائيا. الفن هو العملية المعدة مسبقا والمخطط لها والتي تعتمد على قدرة الفنان أن يقنع الآخرين بفنه دون المساس بالآخر أو الاعتماد على المواقف الثقافية او الأيدلوجية من الآخرين. عادل إمام مثلا لعب عشرات الأدوار في حياته المسرحية والسينمائية كلها تقريبا بشخصيته الطبيعية.. مرة واحدة فقط قلد صعيديا، أما في بقية أعماله فستراها كما تراه في حياته العادية. عبدالحسين عبدالرضا قام بأدوار متنوعة دون أن يلجأ إلى تقليد الفئات. التمثيل هو القدرة على ابداع الشخصية لا تقليد شخصيات. ويمكن القول إن التمثيل بناء شخصية من العدم. كثير من ابناء جيلي يتذكرون شخصية حسينوه وسعيدان وابو صالح وقحطة في مسلسل درب الزلق الشهير. اصبحت هذه الشخصيات رفيقة لنا ونتحدث عنها كشخصيات التقيناها في حياتنا اليومية. ليسوا مجرد كاريكاتيرات مضحكة أو مسوخ لشخصيات أخرى. بل شخصيات من لحم ودم. يشبهوننا ونشبههم. الأعمال الرائعة تتحول إلى بيت له عنوان، يسكنه بشر نعرفهم جيدا. أخشى ما أخشاه أن يطغى نمط دواد حسين والبلام على الفن السعودي. أن نتسابق في المستقبل على إنتاج اسكتشات شبيهة بقرقيعان وواي فاي.