كما هي عادة فضيلة الشيخ صالح بن حميد " وفقه الله " جاءت خطبة العيد لهذا العام تحوي من المضامين السامية، والمعاني البديعة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومناقشة قضايا إسلامية طالها الكثير من التحريف والتشويه، وتجلية الزيف عنها وإخراجها للعالم ناصعة مُعبّرة عن حقيقة هذا الدين . فقد تحدث فضيلته فأسهب عن علاقة الحب بالإسلام، وعن حقيقة الحب السامي الشريف الذي ضاع في كثير من الأحيان إما بسبب التشدد والغلو في الدين، وإما بسبب الانحلال والبُعد عن الدين . لا يوجد دينٌ يحث أتباعه على المحبة والتحابب والتواد مثل دين الإسلام، حتى جاءت كلمة الحب والمحبة في كتاب الله أكثر من ثمانين مرة، بل إن من حكم ديننا ولطائف تعاليمه أن أمرنا بإعلان الحب وعدم كتمانه. فأوضح أنه لا يوجد دينٌ يحث أتباعه على المحبة والتحابب والتواد مثل دين الإسلام، حتى جاءت كلمة الحب والمحبة في كتاب الله أكثر من ثمانين مرة، بل إن من حكم ديننا ولطائف تعاليمه أن أمرنا بإعلان الحب وعدم كتمانه، ومشاعر الحب الصادق في الإنسان ممتدة إلى كل ما يقع تحت مشاعره ونظره واتصاله وعلاقاته من حبه لربه وحبه لنبيه وحبه لدينه ومعتقده وحبه لنفسه وحبه لوالديه وزوجته وأهله وإخوانه وأصدقائه وحب الناس أجمعين وحب وطنه وممتلكاته وحب ما حوله مما خلقه الله في هذه الحياة الدنيا وبثه فيها من طبيعة وموجودات جامدة ومتحركة بجمالها وألوانها وروائحها ومناظرها وزينتها.أما دائرة البغض والكره فهي محصورة في الشيطان وأعداء الدين والمحادين لله ولرسوله . وقال أيضاً : ومن يرد الكمال فليعوّد نفسه محبة الناس والتودد إليهم والتحنن إليهم والرأفة والمحبة بهم، فإن الناس مخلوقون من نفس واحدة وإذا كان الناس كلهم من نفس واحدة فحق عليهم أن يكونوا متحابين متوادين، وإذا أحكم الإنسان نفسه الغاضبة وانقاد لنفسه العاقلة صار الناس كلهم عنده إخوانا وأحبابا . ا . ه . هذا المعنى الذي أشار إليه فضيلته هو ما يغيب عن عقول وقلوب الذين جعلوا من الإسلام ذريعة لملء قلوبهم ببغض الناس، وكراهيتهم . ضاقت في نفوسهم وقلوبهم دائرة ُ الإسلام حتى لا يرون أنها تشمل أحداً غيرهم، فهم فقط أهل ُ الله وأحباؤه، وهم فقط الذين على صراط مستقيم، وهم فقط الفرقة الناجية، أما بقية المسلمين الذين يشتركون معهم في عبادة الله وتوحيده وطاعته واتباع سنة نبيه محمد ٍ صلى الله عليه وسلم، ويرجعون معهم إلى نفس المرجعية من الإيمان المطلق بحاكمية القرآن والسنة على كل أمور حياتهم، فهم عندهم ليسوا مسلمين. فهذا علماني، وذاك ليبرالي، والآخر منافق، وهكذا في قائمة شيطانية لا تنتهي من الأحكام المنطلقة من ضيق النفوس والقلوب، وضيق المدارك والعقول . بل حتى من يشترك معهم في دائرة التدين ويُحسب على المتدينين لم يسلم من تصنيفاتهم وأحكامهم التي يحتكرون فيها الحق لأنفسهم والجنة لمن اتبع سبيلهم لا من اتبع سبيل الله، ففي دائرة المتدينين ومن ينتسبون للعلم الشرعي والمظهر الديني تجد من التصنيفات ما يشيب له الولدان، ما بين ( جامي وسروري وإخواني وسلفي .. الخ ) وكل ُ فرقة من هؤلاء تلعن ُ أختها، كفعل الأمم التي تُلقى في نار جهنم . سبحان الله .. أهذا هو الإسلام الذي ندعو الناس إليه ؟! أهذا ما أمرنا الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟! أليس في قلوبنا بل وفي صلواتنا وصيامنا وتلاوتنا لكتاب الله ما ينهانا عن ذلك ؟ ألا نفكر ولو قليلاً بأن ما بيننا من الأمور المشتركة من عبادة الله وتوحيده والإيمان بحاكمية الكتاب والسنة ما يدعونا إلى أن نُحبّ بعضنا ونعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه ؟ وإذا كان كل هذا الكم ّ الهائل من البغضاء والشحناء والتنابز بأحكام الفسق والضلال يحدث بيننا ونحن أمة واحدة ؛ فأي مساحة تبقى لندعو إلى نشر الحب بين بني البشر ممن لم يحاربنا من غير المسلمين ؟ إني لأعجب ولا ينتهي بي العجب إذا رأيتُ المساحة الشاسعة التي تبعث على التشاؤم بين ما سمعته في دعوة فضيلة خطيب المسجد الحرام وبين واقعنا البئيس . إن المتأمل في الدعوات المتكررة التي يطلقها خادم الحرمين الشريفين " أيده الله " في كل مناسبة منذ سنوات عديدة، إلى نبذ التصنيفات والعصبيات والتحزب، والتشجيع على الحوار والتقارب والتعايش، يعلم علم اليقين أنه " حفظه الله وأيده " اكتوى بنار هذه الممارسات البغيضة، وأدرك بثاقب بصره، وإنسانية طبعه، وما حباه الله من رحمة ٍوعطف، أن مثل هذه الممارسات تفتك في الأمة وتمزق ُ صفوفها، وأنه لا يمكن أن تقوم لنا قائمة، ولا أن نقترب من النصر في أي قضية من قضايانا الإسلامية ِونحن ُ قد كفينا أعداءنا أنفسنا . فو الله لا يرجى منا ولا لنا أي عزة ولا نصر ولا علو مكانة ونحن مقيمون على هذه الحال من التشرذم والقطعية والبغضاء والتناحر والتنابز بالألقاب . وإن كنا نلقي باللائمة في هواننا وذلتنا على قادتنا وحُكّامنا فلنلق نظرة يسيرة على أخلاقنا وسلوكياتنا وطريقة تعاملنا فيما بيننا، لنعلم أننا ما أُتينا إلا من قِبَل ِ أنفسنا . وقديما قيل : ( كما تكونوا يول ّ عليكم ) وهذه العبارة وإن كانت ليست حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن معناها صحيح ويدل عليه قوله تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ) . وختاماً فقد أورد فضيلة خطيب الحرم عبارة مملوءة حكمة حين قال : وقد قيل لو تحاب الناس وتعاملوا بالمحبة لاستغنوا عن العدل وأن العدل خليفة المحبة. يحتاج إليه حينما لا توجد المحبة . فهل يكون العيد بما أراده الله في تشريعه لنا فرصة للمحبة والتواصل والتواد والتراحم ؟ والتحاور فيما بيننا فيما اختلفنا فيه ومحبة بعضنا الخير والهداية لبعض ؟ أم أننا مستمرون على نفس ممارساتنا في البغضاء والكراهية والتشفي ونبذ كل من يختلف معنا ونبزه بأقذع الأوصاف وكراهيته وتمني هلاكه ؟ دون أن نُفكر ولو لحظة برفع يدينا إلى السماء ودعاء الله بصدق ومحبة ٍأن يهدي من نراه ضالاً وقد لا يكون كذلك . أسأل الله أن يبعث الحُب من قبور قلوبنا، وأن يجمع على الحق كلمتنا . وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه . *القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً