من خلال كاربوريتر السيارة يمكن للميكانيكي الخبير معرفة قوة المكينة ونوع السيارة وتاريخ صنعها.. وعالم الأحافير بدوره يمكنه القيام بعمل مشابه مع الديناصورات والأحياء المنقرضة وذلك بتخمين حجمها وشكلها ونوعها من خلال عظمة الساق أو الذراع أو حتى الأنياب فقط.. وحين هللت الأوساط العلمية لاكتشاف أضخم ديناصور أرضي عام 1979 ظن العامة أن الدكتور جميس جونسن اكتشف كامل الهيكل العظمي في حين أنه لم يكتشف إلا عظمة واحدة لم يزد طولها عن نصف متر.. ولكن من خلال تلك العظمة (الخاصة بالكتف) استطاع الدكتور جونسن إنشاء هيكل عظمي كامل فاق طوله الستين قدما وزاد حجمه عن أربعة فيلة ضخمة.. ولم يكن حال الدكتور جونسن في هذا العمل يختلف عن حال الميكانيكي مع كاربوريتر السيارة!! وهذا الديناصور يعرض اليوم في متحف التاريخ الطبيعي بنيويورك (الذي وضعته على قمة جدولي السياحي أثناء زيارتي لنيويورك لأول مرة عام 1996). وبالفعل لم يخب أملي فيما رأيت - لا من حيث ضخامة المتحف ولا من حيث الكم الهائل من القاعات والمعروضات التي يضمها. وخلال تجولي في القاعة الخاصة بالديناصورات لاحظت أن الهياكل المعروضة غير مكتملة (وإن كانت مكملة بقوالب بلاستيكية وجبائر خاصة) فسألت المشرفة على القاعة: كيف أمكن معرفة شكل الديناصور كاملا في حين أن العظام المكتشفة لا تتجاوز خمسة أو عشرة بالمئة من كامل الهيكل!؟ فقالت لي الجملة التي عنونت بها المقال - وأتذكرها بوضوح حتى الآن - "من خلال كاربوريتر السيارة يمكن للميكانيكي تخمين حجمها وموديلها وقوة محركها".. وهذا صحيح؛ فمن المعلوم أن عظمة الكتف تؤدي دورا نسبيا في تشكيل الهيكل العظمي، كما تتحمل وزنا وجهدا معلوما عند القيام بحركات معينة.. وعلى هذا الأساس يمكن للعالم الخبير استنتاج نسب بقية الهيكل بمقارنتها بعظمة الكتف وطريقة اتصال الأوتار والمفاصل الأخرى بها - خصوصا في ظل مقارنتها بالمخلوقات الأقرب لها حاليا! أما كيف عرفوا أن ديناصور الالترازورس كان بطيئا في حركته؟.. فلأن هناك قاعدة بسيطة مفادها أنه كلما كبر حجم الحيوان كلما قلت حركته.. فالحيوانات الصغيرة تتحرك بكثرة كي تحافظ على حرارتها بعكس الحيوانات الضخمة التي تتشرب الحرارة من ضوء الشمس. وإذا علمنا أن "الالتزازورس" يعد أضخم حيوان سار على وجه الأرض (بمتوسط وزن يساوي ثمانين طنا) يمكننا تصور مدى بطء الحركة التي يتنقل بها! .. أذكر أنني تساءلت حينها: إن كان الدكتور جونسن أفلح في إعادة تركيب الهيكل العظمي (لأضخم حيوان في التاريخ) فكيف بمن أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم!!