الطائفية موجودة دائما، لكنها تستعر أكثر وقت الأزمات والخضات المنطقة كلها في مرحلة غير مستقرة، لذا نشهد ارتفاعاً في النبرة الطائفية البغيضة. لأجل هذا، صحيحة هي كل الدعوات الأخيرة لإصدار قوانين تجرم الطائفية، حتى يتم على الأقل ردع الشخصيات المتعصبة التي تسعى بكل الوسائل إلى إسعار النار داخل المجتمع. ولكن مثل هذه القوانين غير كافية خصوصا أمام مسألة فكرية مثل التعصب الطائفي. بالإمكان تخفيض نسبة حوادث السرقة بإجراء بعض الاحتياطات الأمنية، ولكن من غير الممكن أن تمنع الناس من أن يتبنوا التفكير المتعصب طائفياً لمجرد أن تسن بعض القوانين. نعم ربما سيحتالون على القوانين ولن يتفوهوا بأحاديث طائفية علنية ولكن تحت السطح سيتجمع كل المخزون الطائفي الذي يمكن أن ينفجر بأي لحظة. يحق لنا أيضا أن نتوقع بأن هذا المخزون سيزداد تحت حالة الشعور بالكبت والاستهداف التي يبرع المتعصبون باختلاقها بين الناس كي يمدوا أفكارهم بالحياة. من الهام تجريم الطائفية كحلول عملية ولكن هذا لن يعني اختفاء كل أشكال الطائفية التي تتخذ صوراً متعددة. التعصب الطائفي والديني بشكل عام ليس فقط مجرد كلام وشتائم يمكن منعها إلى حد ما، ولكنها أيضا أفعال وتصرفات تدفع للانحياز والظلم والتفرقة. كما أنها أيضا مشاعر كارهة وأفكار مسمومة تؤثر ولا شك على النسيج الاجتماعي. لا يمكن في الحقيقة إصدار قوانين تجرم مثل هذه الأفعال لأن الواحد لا يمكن أن يمسكها بيديه ولكنها بالتأكيد موجودة. هنا رد واحد يتكرر إذا ماذكر مثل هذا الحديث وهو أن الطائفية لن تنتهي أبدا. يتوخى مثل هذا الرد الواقعية ولكن في الحقيقة رد غير صائب. هذا يعني أن لا نقوم بمعالجة هذه المسألة باعتبارها غير متغيرة ولا متحولة. هذا يعني أنها ستبقى تحت السطح، ويمكن أن تنفجر أو تستغل بطريقة سريعة جدا. مثل هذا الرؤية غير مصيبة، لأن السكوت سيسهم بتفجير الواقع بأي لحظة. صحيح أن الطائفية توجد حتى في أكثر البلدان التي مرت بالنهضات والثورات الفكرية ولكن بالتأكيد يمكن التقليل منها إلى حد كبير. ولكن كيف ؟ بالمعالجة الفكرية التي تحارب الفكر المتعصب تماما حتى يتم اقتلاعه من العقل. هذا في تصوري حل واقعي، لأنه لن يطرد فقط كل مشاعر الكراهية ولكن أيضا سيحافظ على التماسك الاجتماعي في المستقبل الذي بحاجة إلى التسامح أكثر من شيء آخر. ما أقوله ليس بالجديد ولكن كتب عنه كثيرا في السابق خصوصا في العقد الأخير. سيقول أحد الآن ولكنه لم ينفع؟ نعم هو غير نافع لأنه لم يطبق عمليا. تحدث الكثيرون عن مشكلة التطرف ولكن المشكلة مازالت باقية رغم عشرات المؤتمرات والحوارات، بل أنتجت أيضا مزيدا من الأسماء التي باتت تشعلها وتغذيها بين الناس. نفس الشيء الآن يتكرر. إذا أردنا أن نعالج التعصب الطائفي فإن المسألة تبدأ من الأساس بتغيير الأفكار المتعصبة التي يتلقاها الشخص في مراحل مبكرة ويتشربها حتى تصبح كأنها طبيعته الشخصية والحقيقة أنها غير كذلك. لذا الكثير من الناس هم فعلا غير متعصبين ولكنهم يتلقون أفكار التعصب ويؤمنون بها، وليس من العسير إذن تبديل هذه الأفكار وتبني أفكار تؤمن بالتسامح والتعايش. هذا حدث لكثيرين اعتمدوا على جهودهم الشخصية للتخلص من هذه الأفكار، ومن المؤكد أن عددا أكبر سيبدل أفكار التعصب بأفكار التسامح إذا ما أتيحت له الفرصة، وتم مساعدته ليتخذ هذه الخطوة. إذا ما قامت مثلا مجموعة من المعلمات بتعليم طالباتهن في المدرسة أفكارا عن التسامح الديني والمشترك الانساني بين البشر، فإنه من الطبيعي أن تقل أفكار التعصب لدى الطالبات عندما يتخرجن من المدرسة. نفس الشيء يمكن أيضا تطبيقه على المجتمع. صحيح أن القوانين مهمة ولكنها لن تمس التعصب الطائفي كفكر. وحدها المواجهة الفكرية ستقضي عليه. ليس بشكل كامل بالتأكيد، ولكنها ستخفف منه إلى حد كبير. بغير ذلك، من المرجح أننا سنعيد نفس الكلام سنة بعد أخرى بدون أن يتغير شيء سوى ثقافة التعصب التي ستكبر يوما بعد آخر. كان هناك بضعة آلاف متسامح في باريس يسبحون في جيش من المتعصبين عندما بدأت أفكار التسامح بالازدهار. الآن الحال معاكس تماما. السبب: هناك من واجه هذه الأفكار حتى قضى عليها. من الممكن القضاء على أفكار التعصب الديني إذا رغبنا بذلك.