في كل مرة يشتد فيها الخطب وتضطرب المسيرة وتتفاقم المشاكل والأخطار لتحدق بالمسلمين من كل جانب، يعلو صوت المملكة العربية السعودية داعياً للتعاضد والتضامن لرأب الصدع، وإصلاح الخلل وعلاج علل الفرقة والتشتت التي تنخر في جسد الأمة الإسلامية وتعوقها عن استكمال بناء نهضتها وعن أداء دورها التاريخي في صنع الحضارة الإنسانية، انطلاقاً من إدراكها العميق لجوهر الإسلام الأصيل، وقيمه وتعاليمه السمحة والخيرة إلى جانب استيعابها الكامل لمغزى التحديات والمتغيرات التي يشهدها العصر، وطبيعة المواقف التي يجب أن تتخذ إزاء هذه التحديات. وضمن هذا الإطار يأتي انعقاد مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في مكةالمكرمة يومي 26 و27 من رمضان الجاري والذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - في هذه الأيام المباركة، وفي شهر العزيمة وقوة الارادة وبجوار الكعبة المشرفة حرصاً من خادم الحرمين الشريفين على ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين ووحدتهم في هذا الوقت الدقيق، والمخاطر التي تواجهها الأمة الإسلامية من احتماليات التجزئة والفتنة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى وحدة الصف والكلمة وهو نهج أصيل لدى خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله الذي يدعو في مختلف المناسبات الأمة الإسلامية إلى اجتماع الكلمة وتضامنها وتعاونها. وهذا الموقف الداعي لوحدة الأمة الإسلامية والداعم لها له بعد تاريخي جعله التزاماً أصيلاً ونهجاً ثابتاً وسياسة راسخة لهذه البلاد المباركة منذ اطلق المؤسس الباني الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في عام 1926م دعوته لعقد أول مؤتمر إسلامي في مكةالمكرمة للبحث في شؤون المسلمين واقتراح سبل توحيد كلمتهم والنظر في مختلف المشكلات الإسلامية وذلك على أثر قيام مصطفى كمال اتاتورك عام 1924م بإلغاء الخلافة الإسلامية التي كان مقرها تركيا وقد لبت الدعوة أقطار كثيرة،وبدأ المؤتمر جلساته يوم 20 ذي القعدة 1344ه/مارس 1926 م ، حيث وجه الملك عبدالعزيز للمؤتمرين كلمة القيت نيابة عنه كان مما جاء فيها (لعل اجتماعكم هذا في شكله وموضوعه أول اجتماع في تاريخ الإسلام ونسأله تعالى ان يكون سنة حسنة تتكرر في كل عام) ،إلى ان يقول:(ان المسلمين قد أهلكهم التفرق في المذاهب والمشارب فاتمروا في التأليف بينهم والتعاون على مصالحهم العامة المشتركة وعدم جعل اختلاف المذاهب والأجناس سبباً للعداوة بينهم) المصحف والسيف ص 48. ولا شك ان الظروف المأساوية التي يمر بها العالم الإسلامي في الوقت الراهن وحالة التشرذم والتفكك التي تعصف بالأمة الإسلامية والتي تعاني منها شعوبها في شتى بقاع العالم بدرجات متفاوتة تجعل دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمثابة طوق نجاة وسط محيط هادر لإنقاذ الشعوب الإسلامية من مصير قاتم ينتظرها ان لم تدرك طبيعة وحجم الأخطار التي تتهددها وان لم تقف جميعها كالبنيان المرصوص القوي والراسخ في وجه قوى الشر والاثم والعدوان التي لا تريد الخير للإسلام والمسلمين والتي ترى في وحدتهم وتماسكهم وتعاضدهم خطراً يهددها ويقوض أحلامها في الهيمنة واغتصاب مقدرات الشعوب. وإزاء هذه الدعوة المباركة من خادم الحرمين الشريفين، فإننا ننتظر من قادة العالم الإسلامي النظر في أوضاع الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي وما يواجه المسلمين من مشكلات يأتي في مقدمة أسبابها تشتتهم وتفرق كلمتهم وما يتبع ذلك من إثارة للفتن الطائفية والمشكلات بين الدول الإسلامية بل بين الحكومات والشعوب في الدولة الواحدة. وذلك وصولاً إلى قرارات حاسمة تعلي مصلحة الإسلام والمسلمين، وترسم خريطة طريق لخروج الأمة الإسلامية من المأزق التاريخي الذي أوقعها فيه أعداؤها ولن يكون ذلك إلاّ بوحدة الصف والتماسك ونبذ الخلافات والتناحر والعمل يداً واحدة من أجل بناء مستقبل خير أمة أخرجت للناس، وإعادة أمجادها التي كانت اللبنة الأساسية في صنع النهضة الحديثة. * مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج لمجلس التعاون لدول الخليج العربية