قبيل أيام فقط من انعقاد مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي الذي دعا إليه الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة تقطف ذاكرة التاريخ ورقة التسعين عاما من أول مؤتمر عالمي إسلامي تشهده مكةالمكرمة حين دعا الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الوفود الإسلامية للاتلاف في مكةالمكرمة في ذي القعدة من العام 1344ه بعد أزمة «إلغاء الخلافة». وعلى الرغم من الفارق الزمني الكبير بين الدعوتين فإنها تتطابق مضمونا وهدفا وغاية وتتسق ظروف الدعوتين سياسيا حيث تمر الأمة الإسلامية جمعاء بمرحلة عصيبة دفعت بالملك المؤسس آنذلك لنداء الائتلاف والوحدة وقادت الملك عبدالله لدعوة التضامن والسلام. ولأن مكةالمكرمة، مهبط الوحي والرسالات ومنطلق لكل المبادرات كانت هي المدينة التي جمعت الوفود الإسلامية غير مرة، فدعوة الملك المؤسس لتلك الوفود جاءت على أثر قيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية، التي كانت تركيا مقرها عام (1343ه/1924م) حيث اضطرب العالم الإسلامي، وتصاعدت من بعض أقطاره دعوات تنادي باستمرار الخلافة وإعلان الحرب، فدفع ذلك بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله إلى الدعوة لعقد مؤتمر إسلامي عالمي في مكةالمكرمة، للبحث في شؤون المسلمين، واقتراح سبل توحيد كلمتهم، والنظر في مختلف المشكلات الإسلامية، ولم تكن الخلافة مدرجة في جدول أعماله. ولبت الدعوة أقطار إسلامية كثيرة حيث كان حفل الافتتاح ومحضر الجلسة الأولى في يوم الاثنين الموافق 26 ذي القعدة 1344ه، وفي الساعة الثانية والدقيقة الخامسة (ظهرا) وصل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مقر المؤتمر، ودخل الحجرة الخاصة بجلالته فاستراح قليلا حتى إذا كانت الساعة الثانية والدقيقة السابعة عشر، طلع إلى المؤتمر وجلس في كرسي الرئاسة، وافتتحت الجلسة بتلاوة بعض آيات الذكر الحكيم. وفي ذلك اليوم التاريخي خاطب المؤسس رؤساء الدول والوفود بقوله: «أيها المسلمون الغير .. لعل اجتماعكم هذا، في شكله وموضوعه، أول اجتماع في تاريخ الإسلام، ونسأله تعالى أن يكون سنة حسنة، تتكرر في كل عام، عملا بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وبإطلاق قوله عز وجل (وأتمروا بينكم بمعروف).. إنكم تعلمون أنه لم يكن في العصور الماضية، أدنى قيمة لما يسمى في عرف هذا العصر، بالرأي العام الإسلامي، ولا بالرأي العام المحلي، بحيث يرجع إليه الحكام للتشاور فيما يجب من الإصلاح في مهد الإسلام، ومشرق نوره الذي عم الأنام». وذهب الملك المؤسس في خطابه صوب القول: «إنكم تشاهدون بأعينكم، وتسمعون بآذانكم ممن سبقكم إلى هذه الديار، للحج والزيارة، إن الأمن العام في جميع بلاد الحجاز وبين الحرمين الشريفين بدرجة الكمال التي لم يعرف مثلها، ولا ما يقرب منها منذ قرون كثيرة، بل لا يوجد ما يفوقها، في أرقى ممالك الدنيا نظاما وقوة، ولله الفضل والمنة». وزاد الملك عبدالعزيز رحمه الله في الخطاب قوله: «أيها المؤتمرون الكرام.. إنكم أحرار، اليوم في مؤتمركم هذا.. لا تقيدكم حكومة البلاد بشيء، وراء ما يقيدكم به دينكم، من التزام بأحكامه، إلا بشيء واحد، وهو عدم الخوض في السياسة الدولية، وما بين الشعوب الإسلامية وحكوماتها من خلاف، فإن هذا من المصالح الموضعية الخاصة بتلك الشعوب إن المسلمين قد أهلكهم التفرق في المذاهب والمشارب، فأتمروا في التأليق بيتهم، والتعاون على مصالحهم العامة المشتركة، وعدم جعل اختلاف المذاهب والأجناس سببا للعداوة بينهم (واعتصموا بحبل الله جميعاًولا تفرقوا) أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لإقامة دينه الحق، وخدمة حرمه وحرم رسوله صلوات الله وسلامه عليه، والتأليف بين جماعة المسلمين، والحمد لله رب العالمين». ثم اختتم خطابه بكلمات مترجلة قال فيها (نسأل الله التوفيق لنا ولكم ولكافة المسلمين، وأن يكون هذا المؤتمر مسرا للصديق، ومكبتا للعدو، وأن ينصر الإسلام ويعلي كلمته إلى يوم الدين، والسلام عليكم جميعا)... وليس عن هذا النهج ببعيد، يمضي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطاباته الشاملة في حدث يجمع أمة التوحيد حيث يدعو فيها للتضامن والتآلف والتراحم والعمل في وحدة تكاملية لمواجهة التحديات التي تمر بها الأمة الإسلامية.