لأمة الإسلام ثلاثة أعياد، اثنان منها سنويان ثابتان في المظاهر والممارسة والطقوس، هما عيد الفطر وعيد الأضحى المباركان والثالث أسبوعي هو يوم الجمعة. هذا وقد سبق الإسلام في تشريع هذه الأعياد وجعل كلا منها نقطة انطلاق وتحفيز ونشاط وتجديد بالإضافة إلى الفرحة بها وانتظارها ناهيك عما سنه الإسلام في تلك الأعياد من سنن ومستحبات مثل التواصل والتكافل وزرع روح المحبة وتجديد العلاقات الإنسانية ورصد لذلك الجوائز التي تتمثل في ما يحصل عليه المسلم من حسنات بصورة تراكمية تؤهل من أحسن النية وقرنها بصلاح العمل إلى دخول الجنة. ناهيك عما تستفيده الأمة من تلك الممارسات من اتحاد ووحدة وتقارب حتى يصبح جسد الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. إن لأعيادنا طعماً خاصاً وان لها أسلوباً متميزاً يحسن استثماره يعاضدها في ذلك الاحتفال بالمناسبات السعيدة مثل اليوم الوطني فعيد الفطر يعبر عن فرحة باكتمال فريضة الصيام وما رافقه من قيام وإحسان وعيد الأضحى يعبر عن فرحة بنحر الأضاحي تقرباً إلى الله وفي كلا العيدين سنت الزكاوات والصدقات. فزكاة الفطر مهمة جداً لإعفاف الفقراء وسد حاجتهم والتصدق بثلث الأضحية وإهداء هلثها فيه تكافل وصلة. أما يوم الجمعة فهو ختام لأسبوع حافل بالعمل والعبادة وممارسة لعبادة جماعية تشتمل على خطبة توعوية لو يدرك الناس أهميتها لأتوها حبواً، فخطب الجمعة من أهم منابر التوعية الدينية والدنيوية من خلال إيضاح السنن والواجبات والفروض والمستحبات والتعليق على بعض الممارسات الفردية والجماعية وتشجيع الإيجابي منها والتحذير من السلبي، إن استغلال خطب العيدين والجمعة في تثقيف الناس خصوصاً الشباب منهم بأهمية الوحدة الوطنية ووحدة الكلمة وحب الوطن وأن يعتبر كل إنسان نفسه مسؤولاً وراعياً ولبنة في بنيان هذا الوطن يحذر أن يخترق من قبله فتربية الأبناء وزرع روح المواطنة لديهم من أهم واجبات رب الأسرة. إن مراسم خطبة الجمعة فريدة بتوقيتها وبما يفترض أن يكون مضمونها وفي عدد المستمعين إليها وبسنن وواجبات الاستماع إليها. لذلك يفترض الارتقاء بخطبة تلك الشعيرة من حيث الأسلوب والمضمون ناهيك عن اختيار الأنسب والأفضل من الأئمة القادرين على إيصال رسالة تلك الخطبة للكبير والصغير دون تنطع أو تكرار لأمور كثيرة أصبحت من البديهيات لدى كثير من الناس إن لم نقل جلهم. نقول هذا لأن السماء أصبحت ملبدة ببث القنوات الفضائية التي تتراوح مهمة بعض منها بين الإفساد الأخلاقي والتشويش السياسي والتحريض المبطن وخلط الصدق بالكذب حتى يصدق على قاعدة مسترقي السمع وذلك من خلال التقارير الإخبارية الملغمة والأفلام التي تزرع كثيرا من الممارسات السلبية بطريقة غير مباشرة مثل التدخين وتعاطي المخدرات والترويج لكثير من العادات والممارسات الرذيلة والدخيلة على المجتمع مثل الممارسات التي تتنافى مع العفاف والحشمة والأدب ناهيك عن الإسفاف والطرح الثقافي المتدني الذي أقرب ما يكون شبهاً بالتبن كغذاء. إننا نحترق ثقافياً وأخلاقياً وتسفه عاداتنا وممارساتنا الجيدة التي تميزنا. ناهيك عن إلهاء الناس عن أداء واجباتهم العلمية والعملية خصوصاً في المواسم الدينية مثل رمضان وأوقات الامتحانات أو عموم الأيام. نعم نستطيع أن نقول إن كثيراً من القنوات الغربية أكثر حشمة والتزاماً من بعض الفضائيات العربية، فالأولى تبث ما تريد إيصاله بطريقة ذكية، أما الثانية فهي تمارس التفخيخ الثقافي عنوة وعلى رؤوس الأشهاد. أعود إلى مناسبات الأعياد وأقول إن لأعيادنا طعماً خاصاً ولها أسلوب متميز يحسن استثماره يعاضدها في ذلك الاحتفال بالمناسبات السعيدة مثل اليوم الوطني حيث إن مثل ذلك الاحتفال يذكر النشء بمنجزات الأمة ويربط الماضي بالحاضر ويزرع روح الأمل في المستقبل وهذا فيه تحفيز لمزيد من البذل والعطاء والعمل والجد والاجتهاد لتحقيق مزيد من التلاحم والإنجاز والإنتاج في سبيل تحقيق المنعة والقوة، أما إحساس الناس بالعيد وفرحته فقد يكون على ثلاثة أضرب الأول إحساس حقيقي بالفرحة وخير من يمثله الصغار من صبيان وصبيات وبعض الناس، أما الثاني فهو فرح مصطنع لدى البعض الآخر، أما الثالث فهو شعور بالحزن وهذا يختص به الفقراء من الأرامل والأيتام والمدقعين، أو من فقد عزيز أو غاب عنه في هذه المناسبة السعيدة. ومصدر حزن المعوزين عدم القدرة على مجاراة الآخرين في مطعمهم أو ملبسهم. ولهذا سنت زكاة الفطر والصدقات في الأعياد.. وعلى العموم فقد جسد تلك المشاعر المتباينة اتجاه العيد كثير من الشعراء منهم: الشاعر معروف الرصافي في قصيدته «أطل صباح العيد» التي نورد منها: أطل صباح العيد في الشرق يسمع ضجيجاً به الأفراح تمضي وترجع صباح به تبدي المسرة شمسها وليس لها إلا التوهم مطلع صباح به يختال بالوشى ذو الغنى ويعوز ذا الإعدام طمر مرقع صباح به يكسو الغني وليده ثياباً لها يبكي اليتيم المضيع يرينا سروراً بين حزن وإنما به الحزن جد والسرور تصنع أما أمير الشعراء أحمد شوقي فله قصيدة عن العيد يندب بها حال المسلمين وانشقاقهم وتفرقهم واستسلامهم حيث يقول: وطني أسفت عليك في عيد الملا وبكيت من وجد ومن إشفاق لا عيد لي حتى أراك أمة شماء راوية من الأخلاق ذهب الكرام الجامعون لأمرهم وبقيت في خلف بغير خلاق أيظل بعضهم لبعض خاذلاً ويقال: شعب في الحضارة راقي؟ وإذا أراد الله أشقى القرى جعل الهداة بها دعاة شقاق وهذا يدل على أن أزمة الأمة الإسلامية ليست وليدة هذه الأيام بل إنها أقدم من ذلك وسوف تظل كذلك حتى قُيض لأهل الإسلام قائد فذ مثل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي يسعى بكل جهده من أجل تحقيق وحدة العرب والمسلمين ما وسعه إلى ذلك سبيلاً، وما المؤتمر الإسلامي الاستثنائي الرابع الذي عقد خلال اليومين السابقين لهذا المقال (26 - 27) رمضان (1433ه) في مكةالمكرمة وما توصل إليه من قرارات إلا خير دليل على حرصه ورغبته الأكيدة على تحقيق لم شمل الأمة وتجديد مسارها وجعلها أكثر منعة وقوة واقتداراً من خلال التضامن والحوار. أما الشاعر علي الجارم فيصف الأغنياء البخلاء بأنهم يصومون في النهار وفي الليل بخلاً وليس طاعة فيقول: أتى رمضان غير أن سراتنا يزيدونه صوماً تضيق به النفس يصومون صوم المسلمين نهاره وصوم النصارى حينما تغرب الشمس وهو يهنئ بعيد الفطر المبارك فيقول: تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه ورفت بأنفاس النسيم سبائبه أطل صباح العيد جذلان ضاحكاً يمازح وسنان الدجى ويلاعبه وكيف ينام الليل في صحوة المنى وقد سهرت شوقاً إليه كواكبه أراه فألقى البشر في قسماته طهوراً كثغر الطفل حين تداعبه هذا وقد اعتنى الشعراء بتوديع شهر رمضان وفضائله وفي ذلك يقول الشاعر صبري الصبري في معارضة لقصيدة أحمد شوقي «رمضان ولى فهاتها يا ساقي»: رمضان ولى فانبرت أشواقي تبكي الصيام بأدمع الأحداق رمضان باق في القلوب وفي النهى يحيا بروح القلب.. بالأعماق سأظل أشدو للصيام وشهره شعراً يشرف بالهدى أوراقي سأظل أمدح بالقوافي دائماً رمضان شهر الخير والإغداق صلى الإله على الحبيب وآله طه المشفع طاهر الأعراق ويتابع فقول: رمضان ولى فاسقنا في عيدنا ماء زلالاً طاهراً يا ساقي فالعيد جاء بفطره حلو الهنا تزهو لنا في أجمل الأطباق سنصوم بعد العيد ستاً أقبلت من شهر شوال أتت برواق أما حال الأمة الإسلامية فهو يكاد يردد بيت المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد راجياً أن يكون التجديد قد بدأ بقرارات مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الرابع الذي عقد في مكةالمكرمة في رحاب بيت الله الحرام وفي ليلة القدر حيث تبنى التعاون والحوار أسلوب عمل وفي ذلك يقول شوقي: وأرى سموم العالمين كثيرة وأرى التعاون أنجع الترياقي اللهم اجعل أعيادنا وأعياد العرب والمسلمين مباركة تزهو بالوحدة والمنعة والكرامة دائماً وأبداً يا أكرم الأكرمين. كما ندعوه أن يعم الأمن والسلم جميع أرجاء العالم.. والله المستعان.