كثر الحديث هذه الأيام عن غلاء الأسعار والخدمات ومطالبة بالتدخل الحكومي للحد من ارتفاعها، فلا يعرف المستهلك، إذا ما كانت ارتفاع الاسعار سببه الاحتكار أو انها ارتفاعات طبيعية مع غياب مجلس حماية المنافسة الذي تأسس في 1925 وتنص مادته الاولى على: " يهدف هذا النظام إلى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة" دون ان يوضح لنا، لماذا ترتفع الاسعار؟ هل يوجد لدينا احتكار القلة؟ كيف يحصل المستهلك على افضل الاسعار في السوق؟ ومتى تتدخل الحكومة للحد من ارتفاع الاسعار وهل هي سياسة ناجحة تاريخيا؟ . يتسبب احتكار القلة في ارتفاع اسعار بعض السلع والخدمات ويهدد الشركات المنافسة بوضع حواجز مصطنعة لمنعها من دخول السوق من خلال خفض اسعاره بأقل من تكاليفه. ان احتكار القلة “oligopoly" نظام اقتصادي مشترك في مجتمع اليوم ويعرف بأنه الهيكل السوقي الذي يهيمن عليه عدد قليل من الشركات تبيع منتجات متشابهة أو متطابقة في نفس المنطقة الجغرافية، وعندما يتقاسمون السوق تصبح سوقا مركزة بشكل كبير. فعلى الرغم من سيطرة تلك الشركات القليلة، إلا انه يوجد عدد من الشركات الصغيرة التي تعمل أيضا في نفس السوق ولكنها مكملة لها او خاضعة لرحمتها فلا تستطيع المنافسة. على سبيل المثال، شركات الطيران الرئيسية قليلة العدد ومحدودة المنافسة وتنشأ حولها العديد من شركات الطيران الصغيرة التي تقدم الطعام للسياح أو تقدم خدمات متخصصة. ويشكل هيكل سوق التجزئة عددا قليلا من شركات احتكار قلة التي تتواطأ لرفع الأسعار على منتجاتها، بسبب الطلب الزائد لكي تحقق أكبر ارباح مؤقتة بتقييد المنافسة في التجزئة على حساب المجتمع. وبما ان الارباح مؤقتة فعليها في المديين المتوسط والطويل ان تستبدل بشكل مستمر الماركات الحالية بأخرى جديدة حتى لا يميز المستهلك بين الاسعار السابقة وألاحقه شكلياً وليس نوعياً. لذا يسعى اصحاب احتكار القلة الى امتلاك العديد من الاسماء المتعددة للسيطرة على اكبر حصة في السوق في نفس القطاع، فتجد أحد هؤلاء الاحتكاريين يملك اكثر من 100 اسم تجاري، بينما المستهلك لا يدرك ذلك وتكون فرصة قيمة في بلدنا الذي لا يوجد به قانون يحدد نسبة الحصة السوقية الاحتكارية ( Herfindahl Index) من اجمالي السوق لكي يتم محاكمة الشركة المخالفة وتفكيكها. فلا شك أن آثار احتكار القلة في قطاع بيع التجزئة او أي قطاع آخر هو جزء من هيكل السوق الذي يضر بأصحاب الدخول المتدنية أكثر من غيرهم عندما يتم تثبيت الأسعار، لان المواد الاستهلاكية تحظى بالنصيب الاكبر من ميزانياتهم. فاحتكار القلة لا يحفز على خفض التكاليف، بل يؤدي إلى ندرة في الكفاءات والابتكارات في القطاع نفسه. كما يضر بالمنافسة ويحد منها ما ينعكس سلبيا على أداء الاقتصاد. فنادراً ما تجد احتكار القلة في قطاع التجزئه في الاسواق الحرة، لأن الشركات القائمة تواجه منافسة من الشركات الجديدة، فلا يمكن للشركات الاحتكارية ان تستمر في تحمل الخسائر إلى أجل غير مسمى، مما يدخلها في معضلة برزنر (Prisoner's Dilemma ) التي تؤكد ان الوقت محدود أمام شركات احتكار قلة قبل ان تغش بعضها البعض بتخفيض أسعارها للحصول على المزيد من المبيعات. ان الحد من ظاهرة احتكار القلة يتم بتفعيل مجلس حماية المنافسه ليقوم بأداء عمله وذلك بتحديد نسبة الحصة السوقية التي تعتبر احتكارية حتى تقوى المنافسة ويحصل المستهلك على افضل المنتجات والخدمات وأفضل الاسعار طبقا لآلية السوق. كما علينا ان نتخلص من بعض القرارات التي قد تدعم احتكار القلة مثل: برنامج نطاقات وصندوق الموارد البشرية التي دائما تصب في صالح الشركات الكبيرة على حساب الصغيرة. ولم يثبت تاريخيا ان التدخل الحكومي في السوق كان فاعلا إلا في حالة نادرة وعند فشل السوق مؤقتا.