إننا ننتظر الكثير من الخير في هذا المؤتمر الذي يأتي في وقت تعاني فيه الأمة الإسلامية الكثير من التحديات، وما انعقاده في العشر الأواخر من رمضان وفي رحاب أقدس بقعة على وجه الأرض إلا دليل على القرارات الإيجابية المتوقعة منه - بإذن الله - كان للدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - في الأسبوعين الماضيين لتنفيذ حملة وطنية شعبية لنصرة الشعب السوري صداها بين المواطنين والمقيمين على حد سواء والذين تداعوا استجابة لنداء الأخوة العربية والإسلامية، فحققت هذه الدعوة المباركة نتائج إيجابية خلال فترة قصيرة منها جمع ما يزيد على 500 مليون ريال، وانطلاق قوافل الإغاثة السعودية تجمعات اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا. وقد تزامن مع هذه الدعوة المباركة دعوته - حفظه الله - إلى قمة إسلامية استثنائية في مكةالمكرمة يومي 26 و27 من رمضان الحالي سعياً إلى جمع كلمة المسلمين، وتدارس هموم الأمة الإسلامية والخروج برأي موحد وقوي يخدم مسيرة التضامن الإسلامي الذي تقف فيه المملكة العربية السعودية رائدة وقائدة، ليؤكد بذلك خادم الحرمين الشريفين تفاعله مع القضايا الكبرى للأمة العربية والإسلامية، وحرصه على التخفيف من آلامها ومداواة جراحها. وخادم الحرمين في دعوته هذه إنما ينطلق من مفهوم راسخ وثيق الصلة بشخصيته وتنشئته الإسلامية، كما يؤكد على عمق رؤيته لمفهوم التضامن الإسلامي وأن دعمه وتكثيف التشاور بين دوله ينطلق من فكر استراتيجي واضح المعالم يعتمد على إعلاء كلمة الإسلام وحل مشكلات وقضايا الأمة الإسلامية، والارتقاء بمستواها المعيشي والحضاري لتقوم بدورها المؤمل على خريطة السياسة الدولية المعاصرة. وليست هذه المبادرة من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في جمع كلمة الأمة وتدارس شؤونها هي الأولى، بل إننا نستذكر وخلال وقت قريب مبادراته المتعددة لحقن الدماء وتحقيق الإصلاح وجمع الشمل بين المسلمين، حيث أسهم بمبادرته الشهيرة لحل الصراع العربي/ الإسرائيلي، وقدم المبادرة السعودية لإصلاح الوضع العربي. ولا ننسى مبادرته - حفظه الله - لجمع الفصائل الأفغانية، وحرصه على الاجتماع مع الفصائل الصومالية لتحقيق وحدتها وحفظ أمن دولتها، كما نستذكر ايضا مبادرته الكريمة بدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل للاجتماع وسط الحرم وبالقرب من الكعبة لتحقيق المصالحة والاتفاق فيما بينهما. ولا ننسى ما تحقق على يديه - حفظه الله - حينما دعا لنزع فتيل الصراع في اليمن الشقيق بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي والتي اسهمت في حقن دماء الشعب اليمني. ولم تتوقف هذه المبادرات الرائدة من خادم الحرمين الشريفين على هذه القضايا فقط، بل رأيناه وهو يتدخل لتقريب وجهات النظر حتى وان كانت بسيطة بين قادة العالم العربي والإسلامي وقلبه دائمًا مع تحقيق الوحدة والوئام والاتفاق بعيداً عن الاختلاف والتنافر، فهمّ الإسلام وشؤون المسلمين دائما في عقله وقلبه ليس فقط مع شعوب العالم الإسلامي بل ايضا لإيضاح الصورة، وإزالة ما علق بها لدى شعوب العالم الأخرى.. ومن ذلك تتجلى دعوته إلى حوار الحضارات، وإلى تبني إنشاء مراكز للحوار في أكثر من دولة غربية لتحقيق حوار عقلاني متوازن يوضح سماحة الإسلام وحقيقته التي شوهتها تصرفات فردية لا مسؤولة. ولعل من مظاهر هذه الدعوة للحوار ونتائجها الإيجابية العاجلة إنشاء مركز الملك عبدالله لحوار الحضارات في فيينا بهدف تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتشجيع الاحترام والتفاهم والتعاون المشترك ودعم العدل والسلام والتصدي للتطرف والكراهية ونشر ثقافة الحوار، والسعي للتعايش بين الأفراد والمجتمع، وتعزيز روح الاحترام والمحافظة على قدسية المواقع والرموز الدينية، ومعالجة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمع وتعزيز دور الأسرة والمحافظة على البيئة. امتداد لدور المملكة الرائد وما القمة الإسلامية الاستثنائية التي دعا اليه خادم الحرمين الشريفين - التي سيلتئم شمل قادتها في مكةالمكرمة - إلا امتداد لحرص هذه البلاد منذ توحيدها على حمل همّ الإسلام والمسلمين، حيث انبثقت في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - نواة الوحدة الإسلامية حينما تعود بنا الذاكرة إلى عام 1926 عندما دعا المغفور له الملك عبدالعزيز إلى عقد قمة إسلامية في مكةالمكرمة بهدف السعي إلى تحقيق الوحدة بين الدول والشعوب الإسلامية، وتوصل المؤتمر إلى عدد من القرارات التي تهم المسلمين وتخدم الإسلام وتمهد للوحدة الإسلامية. ويستمر هذا الدور الرائد في عهد الملك سعود - رحمه الله - بظهور أول ميثاق إسلامي عام 1375ه والذي ترك آثارًا إيجابية على العلاقات الإسلامية بين الدول والمنظمات، وزاد من دواعي التضامن والوحدة بين الشعوب والمنظمات الإسلامية. وهكذا في عهد الملك فيصل - رحمه الله - الذي ساند الدول العربية والإسلامية وأصبح رائدًا للتضامن الإسلامي الذي دعمه سياسيًا وماليًا حيث كان له الفضل الأكبر في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي حاليًا)، وقيام أول مؤسسة عالمية إسلامية شعبية عام 1382ه المتمثلة في رابطة العالم الإسلامي التي أصبح لها دور في خدمة الإسلام والأقليات الإسلامية. واستمر هذا الاهتمام بقضايا وهموم الأمة الإسلامية في عهد الملك خالد - رحمه الله - حيث يعد انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في مكةالمكرمة والطائف سنة 1401ه - الذي أصدر "بلاغ مكةالمكرمة" - من الانجازات الإسلامية المهمة.. وفي عهد الملك فهد - رحمه الله - زادت المملكة في دعم العمل الإسلامي وتفعيل الدور الإسلامي في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا ومساعدة الإقليات المسلمة، كما كان لها دورها المشهود في مساندة شعب البوسنة والهرسك المسلم حين تعرض للعدوان الصربي. ومازالت المملكة رائدة في علاقاتها الدولية ومواقفها التاريخية، ومبادراتها الحميدة، تنطلق في كل ذلك من التزام عميق بالحق والخير والسلام للإنسانية جمعاء. وتوالت ريادة المملكة في حمل الهمّ الإسلامي لتقوم بالدعوة إلى مؤتمرات إسلامية كلما كان هناك ضرورة لتدارس قضايا الأمة الإسلامية ومعالجة أزماتها والدفاع عن شعوبها ضد الاضطهاد والظلم من واقع حرصها على وحدة المسلمين وأن تكون فعلاً قلباً وقالباً مع المسلم في كل شؤونه، كيف لا تكون كذلك وملايين المسلمين يتوجهون إلى هذه البلاد الطاهرة خمس مرات في اليوم، إنها فعلاً قلب العالم الإسلامي النابض بالحق والمدافع عن المسلمين. والمملكة لا تتوقف مبادراتها ودعمها لوحدة العالم الإسلامي على مؤتمرات الوحدة الإسلامية، بل إنها تدعم العمل الإسلامي بكل أوجهه في مختلف أنحاء العالم، فتقدم المساعدات المالية والعينية إلى المنظمات والجمعيات والمراكز الثقافية والمعاهد وهيئات الإغاثة والوكالات الإنسانية المتخصصة في مساعدة المسلمين الذين يتعرضون للأزمات في شتى بقاع الأرض، بعضها يأتي مباشرة والبعض الآخر عن طريق (صندوق التضامن الإسلامي) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي الذي تسهم المملكة في موازنته بنسبة تزيد على 54%. أخيرًا؛ إننا ننتظر الكثير من الخير في هذا المؤتمر الذي يأتي في وقت تعاني فيه الأمة الإسلامية الكثير من التحديات، وما انعقاده في العشر الأواخر من رمضان وفي رحاب أقدس بقعة على وجه الأرض إلا دليل على القرارات الإيجابية المتوقعة منه - بإذن الله - لخدمة الشعوب الإسلامية ومساندتها لتحقيق ما تصبو إليه من آمال وتطلعات.