يمر قطار العمر بالإنسان سريعاً ويتوقف في محطات مختلفة أحوالها سعيدة وتعيسة، غنى فقر، مرض عافية، سفر وبقاء.. إلخ. ويواصل الانسان السير حتى يشيخ ويهرم ثم يموت، وعندما يصل إلى سن الخمسين وتبدأ مرحلة الشيخوخة، ويبدأ الشيب يشتعل ويزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم ويشعر بأن وقت الرحيل قد اقترب والموت يناديه في كل حينٍ، وكلما نظر في المرآة ووجد الشعر الأبيض أصابته قشعريرةٌ من هذا التحول الخطير في العمر وزاد وهجه للقاء ربه والاستزادة من فعل الخيرات والمسابقة فيها والناس مازال فيهم الخير. ولكن يجب أن يعي الغافل هذا الدرس فيزيده ذلك ايماناً ولا يزيده غفلةً وانغماساً بالملذات وتهاوناً في الطاعات وجرياً وراء الصيحات والصرعات والشهوات قبل أن يفاجئه هادم اللذات ومفرق الجماعات ويودع القبر مع الأموات فيندم على ما فات. قل لي يا من غزاك الشعر الأبيض ما هذا الانفلات أيها العابث المستبد الطاغي المسوف اللاهي فهل نسيت ما بعد الممات ؟! قص لي الحقيقة أرجوك حقيقة مراهقتك المتأخرة ولهثك وراء الدنيا الزائلة الفانية الغرور ترى أي شيء سوف يدفن معك؟! حباك الإله الوقار ومازلت للذنوب في عناد وإصرار ألا تخاف من النار وقد وجهت إليك أصابع اللوم والفساد والانذار. فأنا أبحث في فلسفات الحياة عن مراهقتك وعنفوانك فلا أجد تفسيراً شافياً، ولماذا تعنى في أمر الدنيا وبشيء لا يدوم وتعيش في دعة؟! فأكثر لنفسك اللوم ولا تبق في دعة ونوم واحذر من نار السموم. أيها الخمسيني دع عنك هذا واترك البلبل يغرق في ملذاته في حقله، لأنه غير محاسب، وعش أنت في حقل الدين القويم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك وانهل من معينه الصافي كتاب الله وسنة محمد عليه الصلاة والسلام لكي تبتسم لك الدنيا والآخرة. لا تدع الفرصة تفوتك فالحياة زائلة. أتدري من هو طبيبك إنه ضميرك الحي إنه صديقك النصوح إنه إمام الحي إنه الشيخ الفاضل إنه الأب الراعي إنها الأم الراعية فلطالما أنهكك النصب والتعب. حق لك أن تبكي على أفعالك عل الدموع تغسل أوجاع القلب. سنين تمضي وعمر متهالك يسرع وينذر بقرب الرحيل عن الدنيا ولكنك متشبث ببقايا رحلة الحياة ولا تريد الخروج من القطار وقد دفنت شبابك في زمن الورد المتفتح وها أنت ذا تقذف بك رياح المعاصي الهوجاء إلى مصيرك الذي تعرفه سلفاً. انظر إلى ذلك الشيخ الجليل الذي مزق خيوط العنكبوت المرعبة أقصد خيوط المعصية والفساد ومزق أرجل العنكبوت الشرير المعتدي أقصد وساوس وإملاء الشيطان، وطهر نفسه من الدنس وانحنى راكعاً ساجداً عابداً لربه في خضوع وخنوع ورجاء، وانظر أيضاً إلى ذلك الشاب العابد وذلك الطفل العابد، وتلك المرأة العفيفة الطاهرة العابدة، وتذلل كل أولاء لربهم أيقنوا أنهم مفارقون، عن الدنيا مدبرون، للآخرة مقبلون، ولكنهم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، وأحسنوا كما أحسن الله إليهم، أحبهم وأحبوه، ومع كل يوم يكبر رجاؤهم والأمل بلقاء ربهم، ودخول جنته الخضراء، أخذ كل واحد منهم يدعو الله وأداروا أبصارهم إلى السماء إلى الأفق البعيد يناجون الإله. ربي ياحبيبي أنت أملي ورجائي لك أحيا ولك أموت أنت طبي وجاهي ومنتهى آمالي، مهما طالت السنين أو قصرت أو انقضى العمر وتوقف قطار الحياة عن المسير، بإذنك لا تسئ خاتمتي.