غابت أسماء عن المشهد الغنائي السعودي كأنما هي السراب! ذاكرة الثقافة حالة من "شريعة النسيان" يأتي الإنسان وينجز الكثير ثم يفنى بما أنجز أو يفني الآخرون ما أنجز.. برغم مشاريع جمع الأعمال الكاملة لبعض المثقفين من قبل مؤسسات خاصة وجماعات أصدقاء المبدعين والمبدعات غير أنه لا نعنى مؤسسياً بهذا. كأنما الذاكرة موعودة بالمحو ! فليس كل ما يقنع كنزا، ولا ما يفنى يستحق ! وهذا ما أراه في سير المثقفين وأعمالهم في كل مجالات الفنون والآداب، فلا يجمع سوى لأسباب خارج تثمين الثقافة وخدمة الذاكرة. حيث يقل أن نرى لدينا جمع الأعمال الكاملة لشعراء أغنية أو كتّاب مسرح أو دراما أو إذاعة بينما أثمن جهد صديقي الباحث المصري نبيل بهجت الذي اعتنى بتراث كل من شعراء الغناء والمسرح والسينما المصرية في النصف الأول من القرن العشرين مثل يونس القاضي وبديع خيري وأبو السعود الأبياري. وما بين جمع الأعمال وتوثيق السيرة الذاتية هناك مسار يفترق بينهما. هذه المقالة تحاول أن ترصد ما وثق أو درس السير الذاتية والأعمال الإبداعية لمبدعي ومبدعات الأغنية السعودية. يغلب على كتب السيرة الذاتية للشخصيات العامة من سياسيين وفنانين ورياضيين أن تكون محررة من قبل متخصصين بعضهم أدباء وصحافيون، وتبقى الدوافع إما عن علاقة فنية بين الشخصية وكاتب السيرة وإما عناية مهنية من كاتب وصحفي تجاه الشخصية العامة، وتتسم هذه الكتب بطابع من تدوين الذكريات أو توثيق مواد أرشيفية أو ذات طابع احتفائي لتكريم أو ذات طابع سردي-حواري. وقد نقلت هذه السير الذاتية نحو خطوة متقدمة حينما أنجزت بدوري سيرا ذاتية-نقدية تعتمد تحليل وتفكيك التجارب الثقافية لكل من الفنان الفلسطيني واصف جوهرية ومحمد عبده ومروان خوري في كتابي"الرماد والموسيقى"(2009)، ولكل من طلال مداح ورباب وعارف الزياني وخالد الشيخ في كتابي"تغني الأرض:أرشيف النهضة وذاكرة الحداثة"(2010). ولكن يمكن أن أمثل على الدوافع الغالبة لكتابة السير الذاتية بما درج لدينا في المكتبة الموسيقية السعودية حين أصدر الشاعر الشريف منصور بن سلطان كتاباً عن سمير الوادي"الذيابي:تاريخ وذكريات"(1983)، والصحافي أحمد المهندس أصدر عن"عبد المجيد عبد الله: مشوار وأغنيات" (1989)، وأصدر محمد رجب عن " فوزي محسون: متعدي وعابر سبيل " (1989). وأضاف إلى المكتبة الموسيقية الصحافي أحمد صادق دياب كتاب "سفير الحزن: عبادي الجوهر" (1990)، ثم وضع الصحافي علي فقندش كتاب"الفنانون"(1993)،وخص كلا من الملحن سراج عمر والمغني محمد عمر بفصل منفرد. وصدر كتاب"بشير حمد شنان"(1998) لحمد عبد الله شنان، و"إبراهيم خفاجي: إبداع له تاريخ"(1999) للصحافي هاني فيروزي ، وكتاب"عميد الفن السعودي: الموسيقار طارق عبد الحكيم"(1999) لإسماعيل حسناوي، وأصدر الشاعر والمنتج علي القحطاني ثلاثة مجلدات عن "عيسى الإحسائي: ذكريات فنان" (2001)،"عيسى الإحسائي: أغاني(مجلدان)" (2004)، ويتوجب ألا نتجاهل موسوعة"هم وأنا"(2001-2005) للصحافي علي فقندش في مجلدات متعددة عرفت عن شخصيات عامة من شعراء ورياضيين وممثلين وموسيقيين ومنتجين وإعلاميين. وأصدر الصحافي علي فقندش مع وديان قطان موسوعة"نساء من المملكة العربية السعودية" (2006)احتوت على سير ذاتية لمغنيات وشاعرات أغنية. وتوجت هذه الإصدارات مؤخراً بكتاب وضعه الأستاذ علي فقندش عن"أوراق من حياة الخفاجي"(2012) عن الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي. ولولا الوعي والاهتمام الذي كان من هؤلاء الأدباء والصحافيين لما توفرت لنا تلك السير الذاتية التي وضعت عن هؤلاء الرموز الثقافية.وهي تشكل مادة أرشيفية ذات أهمية للتعريف بهؤلاء المبدعين والمبدعات بالإضافة إلى أنها مصدر لكل مشروع دراسة مستقبلية.