يعتبر المبدع في كل دول العالم ثروة وطنية وإنسانية أيا كان مجاله، في الأدب، وفي الصحافة، وفي الرياضة، وفي الموسيقى، والغناء، وغيرها من المجالات. ذلك أن هؤلاء المبدعين هم ذاكرة مجتمعاتهم، التي يمكن للإنسان أن يعرف من خلالها ملامح ذلك المجتمع أو ذاك. لكن الملاحظ بيننا أن الكثير من المبدعين: الموسيقيين، أو المغنين أو الرياضيين، يعيشون بتاريخ ذهبي لم يدون، حيث لم تكتب سيرهم الذاتية لتبقى مرجعا للأجيال، ووسيلة لحفظهم في ذاكرة اجتماعية لا تبدو محتفية برموزها. بهذا الخصوص، يرى الروائي والناقد أحمد الواصل "أنه يغلب على كتب السيرة الذاتية للشخصيات العامة من سياسيين وفنانين ورياضيين أن تكون محررة من قبل متخصصين بعضهم أدباء وصحفيون، وتبقى الدوافع إما عن علاقة فنية بين الشخصية وكاتب السيرة، وإما عناية مهنية من كاتب وصحفي تجاه الشخصية العامة". وأضاف: أن مثل هذه الكتب تتسم بطابع من تدوين الذكريات، أو توثيق مواد أرشيفية، أو ذات طابع احتفائي لتكريم، أو ذات طابع سردي حواري. وذهب الواصل، إلى أن ما أنجزه من سير ذاتية نقدية، كانت تعتمد تحليل تفكيك التجارب الثقافية كما جاء في كتابيه "الرماد والموسيقا" (2009)، و"تغني الأرض: أرشيف النهضة وذاكرة الحداثة"(2010). وقال الواصل إنه يمكن أن يمثل على الدوافع الغالبة لكتابة السير الذاتية بما درج لدينا في المكتبة الموسيقية السعودية حين أصدر الشاعر الشريف منصور بن سلطان كتابا عن سمير الوادي "الذيابي: تاريخ وذكريات"(1983)، والصحفي أحمد المهندس أصدر عن "عبدالمجيد عبدالله: مشوار وأغنيات" (1989)، وأصدر محمد رجب عن "فوزي محسون: متعدي وعابر سبيل"(1989)، وما أضافه إلى المكتبة الموسيقية الصحفي أحمد صادق دياب في كتاب "سفير الحزن: عبادي الجوهر"(1990)، ثم الصحفي علي فقندش كتاب "الفنانون"(1993)، وخص كلا من الملحن سراج عمر، والمغني محمد عمر بفصل منفرد". ويسرد الواصل بعض كتب السير التي كتبت عن بعض فنانينا بقوله صدر كتاب "بشير حمد شنان" (1998) لحمد عبدالله شنان، و"إبراهيم خفاجي: إبداع له تاريخ"(1999) للصحفي هاني فيروزي، وكتاب "عميد الفن السعودي: الموسيقار طارق عبدالحكيم"(1999) لإسماعيل حسناوي، وأصدر الشاعر والمنتج علي القحطاني، ثلاثة مجلدات عن "عيسى الإحسائي: ذكريات فنان" (2001)،"عيسى الإحسائي: أغاني(مجلدان)" (2004)، ويتوجب ألا نتجاهل موسوعة "هم وأنا" (2001-2005) للصحفي علي فقندش، في مجلدات متعددة عرفت عن شخصيات عامة من شعراء ورياضيين وممثلين وموسيقيين ومنتجين وإعلاميين". ويضيف: "كما أصدر الصحفي علي فقندش مع وديان قطان موسوعة "نساء من المملكة العربية السعودية"(2006) احتوت على سير ذاتية لمغنيات وشاعرات أغنية، وتوجت هذه الإصدارات مؤخرا بكتاب فقندش أيضا عن "أوراق من حياة الخفاجي"(2012) عن الشاعر إبراهيم خفاجي". وأكد الواصل أنه لولا الوعي والاهتمام اللذان كانا من هؤلاء الأدباء والصحفيين "لما توفرت لنا تلك السير الذاتية التي وضعت عن هؤلاء الرموز الثقافية، التي تشكل مادة أرشيفية ذات أهمية للتعريف بهؤلاء المبدعين والمبدعات، إضافة إلى أنها مصدر لكل مشروع دراسة مستقبلية". من جانبه، يرى الروائي والناشر السعودي عادل الحوشان، أن هذه المهمة يجب أن تضطلع بها مؤسسات ثقافية رسمية، لأنها تحتاج إلى جهد مجموعات عمل من المحررين والمؤرخين والصحفيين، ولا يمكن أن تكتمل بجهد دار نشر مهما كان اهتمامها. وحول مدى رواج هذه الكتب قال الحوشان "على مستوى تحقيق نجاح في حضورها يمكن أن يحدث ذلك ولا أحد يستطيع الجزم، ولكن أن نرمي حجرا هو الأهم. وقال: "المياه راكدة، رغم أن وزارة الثقافة والإعلام سبق أن خاضت تجربة من هذا النوع في سلسلة الرواد للناشئة، وهي خطوة تحسب لوكالة الوزارة للشؤون الثقافية التي أصدرت هذه السلسلة، مشيرا إلى أن الوكالة أعلنت قبل أشهر عن سلسلة من الكتب تهتم بتسجيل وتدوين مثل هذه التجارب. وأضاف "يوجد طرق متعددة لتستفيد الوزارة من تجربة النشر الأهلية، التي تمثلها دور النشر المحلية من أجل المساهمة في توزيع هذه الكتب، والمشاركة بها خارج المظلة الرسمية في معارض الكتب العربية، أو حتى ترجمتها إلى لغات مختلفة". وعن أسباب عدم وجود سير ذاتية للموسيقيين والرياضيين الرموز في المملكة يرى الحوشان، "أنه لا بد أن تساهم مؤسسات أهلية تجارية تملك الإمكانات لعمل مثل هذا، مثل البنوك أو الشركات، فعليها أن تدعم مثل هذه المشاريع نظرا لكلفتها وكلفة تحريرها، وحتى الآن لم تطرح صيغة محددة تقترحها الوزارة على هذه المؤسسات، من أجل المساهمة في إنجاز العمل الثقافي". وعن العوائق التي تقف أمام نشر مثل هذه السير قال الحوشان "متى ما أردنا إنجاز ذلك لا أعتقد أننا سنواجه أي عائق، الأهم هو العمل، وهذه التجربة تستحق العمل".