استقال «عنان» من مهمته في سوريا، لأنه سعى لترضية الدول الأعضاء في مجلس الأمن على حساب حل الأزمة السورية، وطبيعي أن يواجه الموقف بالخروج منه، خاصة وأن من أبدوا امتعاضهم منه في المنطقة العربية وخارجها أكثر من مؤيديه. ثم جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي صوتت (133) دولة مقابل (12) دولة معارضة من ضمنها الدول المتحالفة مع سوريا، روسيا والصين وإيران، وامتناع (13) دولة عن التصويت، ويعد ذلك اختباراً لرؤية عالم يرفض انتهاك حقوق الإنسان بدعم دول أعضاء في مجلس الأمن، بل يعد رسالة ضغط على أن الإنسانية لم تفقد وجهها الحقيقي إزاء قتل شعب أعزل. نعرف، سلفاً، أن لا مجلس الأمن، ولا المندوب، ولا الأممالمتحدة لديهم الحلول الجاهزة، لأن كل طرف معارض أو متفق على إزاحة الأسد هم من يزاودون على سوريا لتكون أنبوب الاختبار لمن يملك القدرة على إزاحة الآخر، وحتى لو سلمنا أن دول حلف الأطلسي بمقاطعتها النظام اقتصادياً، وتحاصره سياسياً، فهي لا تخفي أهدافها من أن المعركة مع الصين وروسيا، كبداية لحرب باردة جديدة، وهذه المرة سوريا ليتبعها في مواقع أخرى صراعات قادمة مثل إيران وكوريا الشمالية، وربما بؤر نائمة قد تنفجر لأي سبب، ومع ذلك فكل من طرفي الصراع يواجه الأوضاع بمبرراته، ومصالحه. لكن في الحالة السورية هناك نمط من المواجهة قد تخسرها روسيا والصين معاً لأن رهانهما على رئيس فقد شرعيته الدولية، يدعم مقولة أن الزمن يفرض حله، والشعب السوري هو الذي يواجه نظامه، وشبح الخسارة لروسيا، بشكل خاص، يقلقها، لأن اقتلاعها من المنطقة كلها مرهون بمن يحسم المعركة، وحتى لو فرضنا أن الأسد قاوم لعام آخر، فالمعارضة هي من تكسب كل يوم بعداً يضيف لها غطاءً شعبياً في الداخل، وتأييداً عالمياً في الخارج. الغرب لم يرسل أساطيله عابرة البحار، وإنما يدير المعركة على نمط أفغانستان أثناء الاحتلال السوفييتي لها، بمعنى أن المساعدات المادية والعسكرية، حتى مع محدوديتها إذا كانت ذات نوعية تصلح لحرب المدن والشوارع، فقد تصبح أكثر كفاءة من الطائرة والدبابة، لأننا نتذكر، كيف وصلت صواريخ «ستنجر» التي كانت ذراع الأفغان في إسقاط العديد من طائرات السوفييت، وهي ليست من الأسلحة التي تخشى أمريكا انكشافها أو فتح أسرارها، وقد تعيد الكرَّة مع سوريا لنفس الهدف والغاية، حتى لو قال بعض المسؤولين إنهم ضد تسليح المعارضة، لأن ما تكشفه السياسة، غير ما يخفيه الهدف الآخر. من يقف متحدياً كل الظروف وبطش السلطة وتحمل أعباء الحياة الصعبة لما يزيد على عام ونصف، وهو صامد، هو من يحدد مصير وطنه، وما حيّر السلطة وزاد من يأس روسيا والصين، أن هذه القدرة على الاستمرار بالثورة، معجزة وطنية، وهي بتداعياتها تؤرخ مع الثورتين البلشفية والفرنسية، بل لم تواجها سلاحاً مثل الذي يملكه نظام الأسد، ومع ذلك فحتمية السقوط يدركها مؤيدو النظام قبل غيرهم، غير أن المكابرة الروسية ستجعلها في صورة أكثر بشاعة عربياً وعالمياً، وأنها بهذا التصرف لا تختلف عن نزعة الدول الاستعمارية التي طالما نعتتهم بأبشع الأوصاف وصور الإدانة.