هل يدوّل الصراع في سوريا، بحيث تتسع اللعبة للعديد من الدول التي تريد إعادة سياسات الحرب الباردة القديمة، ولكن هذه المرة بالتضحية ببلد، لمصالح متصارعة؟ الحكم أصبح مرفوضاً من الأكثرية الساحقة، والثورة لن تقف على حدود الترويع بالقتل، لكن دخول عناصر في الصراع سوف يفرز قائمة جديدة لتفاعلات تخرج عن نطاق المحلية والعربية إلى الدولية.. فإذا أخذنا معيار أن إيران - ومنذ سنوات طويلة - تشترك مع النظام بالتسلح والتعاون الأمني والاستخباراتي، وترتيب الأهداف خارج مجرة البلدين، بحيث تم التنسيق بإدارة الأزمات في لبنان، والتحالف مع حماس، فإنه بالظرف الراهن جعل إيران تدفع بقواها المادية والعسكرية وأجهزة تقنياتها في خدمة النظام، لشعورها أن سقوطه يلغي جميع المشاريع والاستراتيجيات التي بنيت عليها أحلام السنوات الماضية بإعلان فتوحات جديدة بخلع أنظمة عربية وإسلامية لصالحهما.. روسيا تعترف أنها فقدت كل ما يربطها بعالم الاتحاد السوفيتي القديم بما في ذلك من تحالفوا معها في المنطقة أثناء الحرب الباردة ولم يبق لها إلا سوريا كدولة محورية في المنطقة تقع جنوب البحر المتوسط الرابط الأساسي لمعظم دول أوروبا، ثم إن سقوط هيبتها في هجوم الأطلسي على ليبيا وإسقاط النظام هناك رغم اعتراضها، فرض أن تكون سوريا مركز ثقلها في تنازع القوى، مدركة أن أمريكا التي تقود الحلف العسكري الأكبر في العالم، ليس لها رغبة أو لا تريد دخول مغامرة جديدة بعد احتلالها العراق وأفغانستان، ودافع آخر يمنعها التدخل بسوريا أزمتها المالية، وهو تقدير يوضع في الاحتمالات، لكن لماذا لا نقول إن أوروبا وأمريكا ودولاً عربية عديدة، تريد أن يكون دخول القوات الروسية، بما فيها السفن التي تحمل فصائل مكافحة الإرهاب، عملية استنزاف طويلة الأمد لها ولإيران، لأن كلفة حروب أهلية، لو وصلت سوريا لهذه الحالة، ستدخل أطرافاً عديدة، أسوة بما جرى في لبنان لتلعب أدواراً مضادة.. الاقتصاد السوري منهار، وإيران تواجه حصاراً حاداً اقتصادياً وسياسياً، وتبقى روسيا هي دافع التكاليف المادية والعسكرية، إذا ما أصبح تسليح المعارضة هدفاً تلتقي عليه الدول المناوئة لمن تتحالف مع نظام الأسد، وقد جرى مثل هذا السيناريو بين القوى العظمى في حربي فيتنام، وأفغانستان. فالشرق رمى ثقله خلف الحرب الفيتنامية بشراكة سوفيتية - صينية، ونجح في هزيمة أمريكا، ثم كان احتلال السوفييت لأفغانستان لتتحالف قوى أمريكية وغربية مع إسلامية في حرب طويلة أدت إلى هزيمة الدولة العظمى والتسبب في تمزيقها، وسوريا قد تكون النموذج المصغر للحروب بالنيابة في خطط تلك الدول.. فرصيد روسيا عربياً وإسلامياً أصبح تحت الصفر، لأنها تقايض ذبح شعب للمحافظة على سلطته القاتلة، والمعسكر الغربي، يعرف أنها لا تستطيع تغيير المعادلات بأن تكون دولة عظمى حتى لو أبقت على أسنانها النووية، وإدارة اللعبة ستطول، لأن من دخل قلب المعركة مع الشعب السوري وأصبح يعلن عداوته له، يبرر تقاربه مع أعداء النظام والمؤيدين له، وبالتالي ستكون الرحلة الدموية طويلة، لكن حكم التاريخ يعطي الانتصار للشعوب على أي دكتاتوريات تحكمها..