حينما يذكر الإيجاز فإنه يرتبط بمعاني القصر أو القلّة مع الدقة والعمق، لكنه يختلف عن الاختصار أو التلخيص. وينظر إلى الإيجاز على أنه جهد عقلي ذو طابع بلاغي يستخدم اللغة استخدامًا فعالا من خلال توظيف المعاني الإشارية والدلالات الضمنية، ولهذا فإن البعض يجد أن الإيجاز فن من الفنون التي تتطلب ملكة عقلية متميزة ومهارة لغوية فائقة. ويرى الدارسون أن هناك مقولات بلاغية ذات دلالات عميقة تظهر في أشكال لغوية كالشعر والأمثال، وهناك من يُدخل معهما القصة القصيرة. والشعر خير مثال للإيجاز، لأنه يقوم بتكثيف المعاني من خلال مفردات قليلة قابلة للقراءة والتأويل من أكثر من وجه. ويحفل النقد الأدبي بنماذج كثيرة للشعر الذي تطلب جهودًا كبيرة ومتتالية لدراسته والوقوف على معانيه وما يخرج عنها من ظلال المعاني والإيحاءات المحتملة. وقد صدر عن جامعة جنوب كارولاينا في أمريكا كتاب بعنوان: "فن الإيجاز: جولات في النظرية والتحليل للقص القصير"، يركز على دراسة جوانب الإيجاز في الكتابة النثرية المتمثلة في القصّ القصير وما يسمّى القص القصير جدًا. وقد أخذ المساهمون في هذا الكتاب سويّاً موضوعات عن عناصر معينة مثل: الزمان، والمكان، والتكثيف، والغموض، واستجابة القارئ، وقفل السرد. ومن أبرز المشاركين تشارلز ماي الذي قدّم مساهمات أساسية لنظرية القصة القصيرة وتحليلها، وسبق أن تُرجم له إلى العربية كتاب عن القصة القصيرة. وجاءت مقالته بعنوان: "لماذا تعد القصة القصيرة عنصرًا أساسيًا؟"، وفيها يتفحّص خمسة مواضيع مُتعلّقة بالجنس الأدبي، هي بالنسبة له مُترابطة بشدة مع القصّة القصيرة في تطورها التاريخي. في البداية يسأل كيف تتعامل القصة القصيرة مع العلاقة بين التسلسل المتتالي وبين المعنى الدلالي. مشيرًا إلى مقالة كلود ليفي شتراوس "العلم والمحسوس" الذي يتفق فيها ماي مع فكرة شتراوس «بأن إنقاص مدى أو تقليل عدد خواص العمل الفني يسبب انعكاسًا في عملية الفهم». وهذا بدوره يشكل وهم إدراك الكلّ قبل إدراك الأجزاء. أما القضية النوعية الثانية فهي كيف تتوسّط القصّة القصيرة بين الغموض والتحكم. ويجد ماي أن «تركيزها على الغموض وعلى غير المألوف يرتبط جزئيًا، بحقيقة أنها شكل أصولي أولي». وتعدّ قصة أليس منرو التي عنوانها: "حب امرأة فاضلة" مثالاً توضيحيًا «للاختلاف بين الإسهاب الخاص بالرواية وبين غموض القصة القصيرة وشدّتها (توتّرها)». ويناقش بعد ذلك القصة القصيرة كيف تبني الشخصيّة؟ على اعتبار أن الشخصية تمثل مشكلة كبرى في نظرية القصّ القصير، ويرى أنها ذات صلة وثيقة بطريقة تصرُّف البشر (أو عدم تصرفهم) في ظرف ما، كما هو في قصص هوثورن القصيرة. ومن ثم يأتي إلى مناقشة موضوع الحسم وهو القضية النوعية الرابعة، متسائلا: لماذا يكون الحسم في القصة القصيرة عادة مجازيًا؟ ويذهب موضحًا أنه بما أن القصة القصيرة لا تستطيع أن تجري تصالحاً بين «التوتر بوصفه ضرورة العالم الكنائي اليومي وبين العالم المجازي المقدَّس» فإن «الحسم الوحيد الممكن هو حسمٌ جمالي». ويختتم بالقضية النوعية الخامسة المتعلقة بالقصة القصيرة: لماذا يرفض هذا الجنس الأدبي أن يُشرح؟ ويجيب بأن هناك سبباً لعدم قيامه بذلك، أو أن عدم قدرته عليه، وهو سبب مُتعلّق بالفكرة القائلة بأن «إيجاز القصة القصيرة يجبرها على أن تُركزّ لا على كل التجربة، بل على تجربة مفردة مأخوذة من الحياة اليومية للعالم البشري الفعلي». وثمة مقالات مهمة في هذا الكتاب منها: أصول القصة القصيرة، تطورها، مادتها وتصميمها (ماري روربيرجر)؛ كتابة القصص القصيرة (أندرو كيه كينيدي)؛ شخصيات العالم الحقيقي داخل عالم القصة الخيالية (سوزان لوهافر)؛ الخاتمة وما قبلها كشبكة سردية في تحليل القصة القصيرة (بير وينثر)؛ القصة القصيرة المصورة في ظل الدراسة التصنيفية لعلم الرموز (ستوارت سيلارز)؛ مقالة قصيرة حول الحكاية الخرافية (دبليو إتش نيو)، وغيرها من المقالات التي تكشف عن قيمة الإيجاز في التركيب الزماني أو المكاني واستخدام التعاقب والاسترجاع لخدمة التكثيف والدلالة المتعددة.