في رمضان .. يبدو المساء قطعة من شجن، والروح معلقة في فضاء الله ! حتى وإن كان يشبه المشي فوق الدبابيس .. أو احتراق الشمعة، أو نميمة الحاقد..! لا أعرف كيف لا يكتب الشعراء إلا أوجاعهم، حينما يزهدون في أهوائهم ولايتهجّون إلا لثغة الفقراء بمفردة ( رغيف ) ، ولا ينصتون إلا لليلهم ...! قلت سأكتب عن هذه السكينة الرمضانية فداهمني شجن حزين .. تذكرت صديقاً بقي رقم هاتفه في مذكرة هاتفي حينما مات عنه قبل رمضان فلم تهمله قائمة الرسائل الرمضانية، وآخر زميلا في العمل ترك مكتبه شاغرًا، وبقي في خمول مقعده دعاء له بالرحمة والمغفرة ..! هذا ال رمضان يجمعني بي كثيرا فأحزن ...! يكتب هواجسي فوق مواقيت الصلاة في بطاقات هدايا الصالحين من أصدقائي ثم يفرقني على أيامه فأبكي ... في كل عام أحاول أن أتصالح فيه كثيرا مع القرآن...! أتعاطى فيه نفسي فأحنق على تفريطها ... يغالبني فيه الهوى شاعرًا فألهو قليلا بسلاسل الشياطين ، ومجالس اللوم ...! أكره لعب الورق فيه برغم اجتماع كثيرمن الأصدقاء عليه .. لا أنام ليله حتى وأنا مستيقظٌ نهاره ...! رمضان الالتصاق بالذات المجبولة على الرضا، يروّض النفس على أن تكون لما لاتشتهي، يأخذها معه إلى الخضوع والسكينة ، ثم يدفعها للتوثّب لأفعال الخير ومحاولة الرضا ... يخيل إليّ أحيانا أن إمساك النفس عن شهواتها طوال النهار تهيئة لها لتقضي الليل نشوانة بتطويعها وقدرتها على أن تتروّض حبا وطاعة لله، ثم يمتدّ اليوم إلى اليوم الذي يليه والشهر إلى ما بعده وهكذا ... على المستوى الإنساني تظل النفس الإنسانية بحاجة إلى هذا التوقف الإجباري لطغيان شهواتها وانفتاحها على الوقت، ولهذا يتجاوز رمضان كينونته الدينية والإقبال فيه على شتى العبادات والطاعات إلى أن يكون محطّة زمنية هامة يحاور فيه الإنسان نفسه بكل شهواتها ونزعاتها ورغباتها وانفتاحها ليتيقن من سيطرته عليها،إنه باختصار اختبار حقيقي لمفهوم الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة ...