يتردد هذه الأيام إعلانات ملحة على شاشات الفضائيات العربية تدعو المشاهدين لمتابعة مسلسلات وأفلام وألوان من البرامج الترفيهية، التي ستبثها هذه القناة أو تلك طوال شهر رمضان المبارك، وتتنافس من خلالها على شغل أوقات المشاهد عبر ما تسميه السهرات الرمضانية، وبعضاً من نهاره حين يفوته شيء لم يره في الليل، فيراه عند الإعادة في النهار، وتدعوه بأن رمضانك عندنا أحلى، ورمضان -سادتي- سيد شهور السنة أوقاته أفضل الأوقات، فرض الله صيام أيامه، وندب قيام لياليه، والتعبد فيه فرصة، يجني العبد بها الحسنات، التي تذهب عنه ما اكتسب من سيئات في غفلة منه، أو بسبب النفس الأمارة بالسوء، وفيه يعتاد الإتيان بالعمل الصالح، الذي يجلو به عن نفسه أوضار المعاصي، ويستحضر الفطنة ويدرأ عن نفسه الغفلة، ويعلم يقيناً أنه إنما خُلِق ليعبد ربه، وأنه بهذه العبادة هو المنتفع، فعبادته لا تزيد في ملك الله شيئاً، ومعصيته لا تضر الله شيئاً، ولأن الجنة محفوفة بالمكاره، والنار محفوفة بالشهوات، والنفس لا ترغب في المكاره، وتحب الشهوات فهي أمارة بالسوء غالباً تصد عن العمل الصالح الذي يرضي ربنا، وتكره احتمال مشقته، وعلم ربنا ضعفنا فعدد لنا مواسم خير لنهتبلها، فجعل في أزمنتنا أياماً وليالي لها فضل عظيم، إذا أتينا العبادة فيها ضاعف لنا ربنا الأجر، ليسد بذلك نقصاً قد يعتري طاعتنا له، ورمضان أفضل هذه المواسم، فهو شهر القرآن، الذي يقول عنه ربنا (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الآية، هذا الشهر الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره نجاة من النار، فهو شهر القرآن، فمن انقطع عن هذا الكتاب العظيم، وما فيه من الخير الكثير عند قراءته وتدبره، فرمضان له فرصة ليجدد العهد به، فيعكف على تلاوته ويتدبر معانيه ليرتقي بروحه، فيترك الكثير مما اعتادته النفس من الغفلة والتكاسل، وليصبح بطاعته اقرب إلى ربه، فصفت نفسه فأحب الله وأحبه الله وحبب فيه خلقه، وهو الشهر الذي تغفر فيه سائر الذنوب وبعمل يسير أن يقوم ليله إيماناً واحتساباً، وهو الشهر الذي فيه أعظم ليلة في زمان المؤمن إن وافقها بطاعة، وألح على ربه في الدعاء فيها استجيب له، فهي ليلة خير من ألف شهر، فهل يفوت المؤمن مثلها، وهو منصرف عنها بعقله، أو اشتغال بما لا يرضي ربه، والأعمال الصالحة في هذا الشهر لها ميزة عظيمة، فالصوم جنة يتقي العبد به عذاب الله، فقد جاء في الحديث: (الصوم جنة فإذ كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم)، وإن المؤمن ليربح ربحاً عظيماً عندما يجعل رمضان فرصته الثمينة للتقرب إلى الله بشتى الطاعات، ولعله لو لم يفد إلا هذا التوجيه النبوي، فتعود ضبط نفسه حين تعامله مع الخلق لكفاه ذلك ربحاً، والصدقة أفضلها في رمضان كما اخبرنا بذلك سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولهذا كان هو الاسوة لنا في ذلك فقد كان عليه الصلاة والسلام اجود الناس، واجود ما يكون في رمضان فهو في الجود بالخير كله كالريح المرسلة، والعمرة في هذا الشهر تعدل حجة كما ورد بذلك الحديث الصحيح،، فهذا الشهر الكريم فضله عظيم، وهو من الأزمنة التي على المسلم أن يشغل أيامها ولياليها بالعبادة أعني كل ألوان الطاعة، ولا يلتفت لدعاية تشغله عن هذه المائدة الطيبة، التي منحنا إياها ربنا بأن منّ علينا بهذا الشهر، نغسل فيه أرواحنا مما أصابها من عطب في غفلة منا ونجدد العهد بصلة مثلى بربنا حتى لا يشغلنا عنه أحد، نخلص له العبادة ونتقيه، ونسأله أن يقبل منا الصيام والقيام ويعتقنا من النار في هذا الشهر الكريم، فهذا أملنا والله مولانا يستجيب دعاءنا فهو ما نرجو والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043 للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain