أجمع مسؤولون في أمانات المناطق والبلديات والمحافظات على أن تنمية التراث العمراني «مهمة وطنية»، يشترك فيها كافة الجهات المعنية، وليست مهمة جهة واحدة، مؤكدين أن المملكة تزخر بالعديد من مواقع التراث العمراني الصالحة للتهيئة والاستثمار السياحي. وكان المسؤولون قد شاركوا مؤخراً بفريق عمل برئاسة الدكتور مشاري النعيم المشرف العام على مركز التراث العمراني بالهيئة العامة للسياحة والآثار وأطلعوا على تجارب مدن وبلدات تركية نجحت بالمحافظة على التراث العمراني، وتوظيفه، كفنادق تراثية، ومطاعم، ومقاهٍ، ما ساهم في تعزيز الاستثمار السياحي، وتوفير فرص عمل للمواطنين. وقال النعيم «إن رحلة الاستطلاع إلى تركيا كانت مهمة للتعرف على تجربة القرى التركية التي تحولت إلى مورد اقتصادي مهم للسكان المحليين مما حقق تنمية متوازنة. وأضاف «ما تهدف إليه هيئة السياحة والآثار ممثلة بالمركز الوطني للتراث العمراني هو تحويل مواقع التراث العمراني إلى مصدر دخل ونقطة جذب استثمارية مع التأكيد على أهمية هذه المواقع من الناحية الثقافية ودورها العميق في بناء الهوية الوطنية، ويتطلب ذلك تخطيطاً هادئاً ويحتاج إلى وضع إطار عمل عملي قابل للتنفيذ يراعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للمملكة». فرق عمل وبين النعيم «أن أهم الدروس المستفادة من هذه الرحلة هو بناء فرق عمل سعودية على مستوى متخذي القرار في الأمانات والمحافظات والبلديات لتطوير مواقع التراث العمراني في المملكة، «كما كان هناك تركيز على معرفة التجربة التركية في «إدارة المواقع التراثية» حيث أن مفهوم الإدارة المحلية وعلاقتها بالمركز وتوفر الموازنات اللازمة والموارد البشرية المتخصصة، مع وضع خطة التطوير، وهي الأدوات الرئيسية التي ساهمت في نجاح تجارب تطوير القرى التراثية التركية، والحقيقة أن رؤية سمو رئيس هيئة السياحة في أن الهيئة تستثمر في قيادات وطنية بصرف النظر عن مواقعها الحالية بعيدة المدى؛ فتطوير التراث العمراني يحتاج إلى شركاء متعددين يعملون في جهات متعددة من أجل النهوض به وحمايته واستثماره، وهذا ما عملت رحلة الاستطلاع هذه على تحقيقه لدى المشاركين في الرحلة». وأكد رئيس مركز أشيقر عبدالله المغيرة أن العمل المشترك مطلب أساس «وتجربة تركيا في هذا الجانب، جديرة بالاهتمام والدراسة. بالنسبة لنا في أشيقر فلدينا تجربة جيدة، ساهم فيها تعاون الأهالي ورجال الأعمال ودعم سمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وقد قامت البلدية مؤخراً بترسية مشروعين خلال 2012 لتصريف السيول وتبليط البلدة القديمة «. ويرى المغيرة أن تنمية التراث الوطني «مهمة وطنية»، ويقترح تخصيص بند تحت مسمى «ترميم القرى التراثية» في ميزانية البلديات. ويقول المهندس عبدالمحسن العتيبي رئيس بلدية جلاجل «بعد هذه الزيارة الاستطلاعية للتجربة التركية في الحفاظ على التراث العمراني، أعتقد أنه آن الأوان لأن تقوم الجهات المعنية بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، حيث أن التنمية السياحية والحفاظ على التراث العمراني يتطلب تضافر الجهود والتحرك بسرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه». ويشير إلى أن الزيارة كانت ثرية ومتكاملة شملت أقاليم مختلفة في تركيا، ومتنوعة في طرق البناء التقليدي وكان تأثير ثقافة المجتمع فيها واضحاً في تلك الفترة « بالإمكان الاستفادة من التجربة التركية في بلادنا، متى ما كان هناك قرار صريح يلزم أصحاب المباني التراثية بالعمل على المحافظة عليها، والتعاون مع الجهات المعنية بتطويرها واستثمارها». قرار حكومي ويشيد أحمد بن سعيد الشهراني محافظ سراة عبيدة بأسلوب العمل المشترك في التجربة التركية، ويقول بأن «التجربة التركية في تنمية التراث العمراني مثالية، ويظهر لي أنها تجربة حديثة، أتت بقرار من الحكومة التركية، لدعم الاقتصاد الوطني التركي الذي أصبحت السياحة أحد موارده، والمملكة قادرة على تطوير أنظمة لحماية التراث العمراني، ويمكن هنا محاكاة تجربة رجال ألمع بمنطقة عسير، والتي حافظت على ملكية المواطنين لبيوتهم، وتعمل على تطويرها واستثمارها». ويذكر فارس بن شفق أمين منطقة نجران بأن فريق العمل أطلع خلال الزيارة على تجارب مميزة في المحافظة على التراث العمراني، بما في ذلك طرق التمويل والاستفادة من التراث العمراني سياحياً واقتصادياً، «اقترح أن تعقد ورشة عمل بين المشاركين في الزيارة بالإضافة إلى ممثلين عن إمارات المناطق ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة المالية والمستثمرين والبنوك، بالإضافة إلى وضع خطة عمل وترتيب الأولويات، ودعوة المستثمرين في كل منطقة، لتوضيح الفرص الاستثمارية والجدوى الاقتصادية في التراث العمراني». المحافظون ورؤساء البلديات وقفوا على أعمال ترميم بعض المباني التراثية في استانبول ويقول المهندس ضيف الله عودة الفايدي وكيل أمانة منطقة تبوك بأن الزيارة كانت جيدة، «مكنتنا من التعرف على أساليب التمويل والشراكة مع الملاك، أو الاستغلال الجزئي للعقار، والذي يعود للمالك بعد فترة، وقد يستعان بالخبرات التركية في الاستشارات الفنية والأيدي العاملة المهارة في ترميم مباني الحجر وتطوير الأنظمة المشابهة لدينا». ويضيف بأننا قادرون على الاستفادة من التجارب التركية في استغلال التراث العمراني في حال تعاونت الجهات المعنية بالتراث العمراني ووحدت جهودها، وكان هناك تسهيلات لعمليات التمويل، «وأن تتولد قناعة لدى وزارة المالية بذلك، لأن ذلك يعود بالفائدة على الدولة والمواطن، وقد يكون من الضرورة تشكيل فريق عمل في كل منطقة من مناطق المملكة، لدراسة كيفية الحفاظ على التراث العمراني في المنطقة وأولويات العمل بالتنسيق مع هيئة السياحة والأمارة والأمانة، وتنظيم عملية التمويل، بالإضافة إلى تحديد الصلاحيات والواجبات لكل جهة، وتحديد جدول زمني واضح للتنفيذ، حتى لا يحصل التسويف». شراكة مع تركيا ويرى د. عبدالعزيز الدوسري رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم التراث، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود، وعضو لجنة جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني أن مركز التراث العمراني بالهيئة العامة للسياحة والآثار بحاجة إلى وضع خطة للشراكة مع الجانب التركي، «التجربة التركية في المحافظة على التراث العمراني وتنميته واستثماره اقتصادياً وسياحياً هي تجربة ممتازة، وأثبتت نجاحات فائقة، والدليل مستوى ومعدل السياح، وغرف الفنادق المتوفرة والمطلوبة مستقبلاً». شراء المباني ويوصي د. يوسف عبد الكبير نيازي عميد كلية تصاميم البيئة بجامعة الملك عبدالعزيز بأن تقوم الجهات المعنية بشراء المباني من الملاك في حال عدم استطاعتهم ترميمها، وتوظيف هذه المباني في مشاريع تدر دخلاً معقولاً تساهم في صيانتها والمحافظة عليها، فضلاً عن تهيئة البنية التحتية في المواقع، وتوفير دورات مياه عامة، ومد طرق مناسبة، وخدمات إلكترونية (إنترنت)، وإصدار مطويات وإصدارات للمناطق للتعريف بها، وإعداد برامج تلفزيونية لتشجيع السياحة. « واقترح هنا أن تتولى رئاسة الهيئة العامة للسياحة والآثار رفع توصيات رحلتنا إلى تركيا للمقامي السامي، لاعتمادها وتنفيذها، وأن تكون ملزمة للبلديات والملاك». ويقول م.بدر بن جهز الحربي رئيس بلدة عقلة الصقور «نحن بحاجة إلى لائحة للتراث العمراني تحدد العلاقة بوضوح مابين الشركاء في تنمية التراث العمراني، واعتماد وزارة المالية لبرامج في ميزانيات البلديات يشترط به الاستثمار لإحياء تراثنا العمراني، وأن تتكفل الهيئة العامة للسياحة الآثار بإعداد موسوعة لتراثنا العمراني تتضمن الرفوعات المساحية ومخططات التنفيذ (مع مراعاة التلوث البصري) بالمملكة ويكون للبلديات نسخ منها وحيث يمكن البدء بالعمل حالا اعتماد المشروع بميزانية البلدية، وينبغي لنا العودة لإحياء الهوية العمرانية لمدننا بأسرع ما يمكن وتشريع ذلك بأنظمتنا كافة، ونحن بحاجة إلى تضمين التراث العمراني في مناهجنا الدراسية بالتعليم العام». ودعا المهندس فهد بن صالح المشعان رئيس بلدية دومة الجندل بالجوف إلى التنسيق المباشر بين الهيئة العامة للسياحة والآثار والبلديات تحت مظلة وزارة المالية «اقترح أن تعقد ورشة عمل تستعرض الرحلات الاستطلاعية السابقة، وأن تدعى إلى الورشة وزارة المالية، وأن تحدد الأطر والأهداف وأن تكون المصلحة العامة هي المقدمة». ضيف الله عوده الفايدي بدر بن جهز الحربي د. مشاري النعيم عبدالمحسن العتيبي عبداله المغيرة