تتعدد وجهة نظر الطالب خرّيج المرحلة الثانوية، فهناك من يرغب في الانضمام إلى الكليّات العسكرية، وهناك من يريد أن ينضم إلى كليّات الجامعات المختلفة، إلاّ أن هناك من يرغب في الحصول على فرصة عمل!، حيث يرى بعضهم أن الحصول على الوظيفة وهو في سن مبكرة تعمل على تطوير ذاته، كما أنها تكسبه خبرة عملية، إلى جانب أن ذلك يساعده على الاستقلال المادي، وعدم إرهاق ميزانية أسرته!، كما أن ذلك من شأنه أن يكمل دراسته الجامعية، سواء بالانتظام أو بالانتساب أو عن طريق التعليم عن بُعد، وبالتالي تحقيق هدفين في وقت واحد الحصول على فرصة وظيفية وإكمال الدراسة الجامعية. إن الوظيفة بعد المرحلة الثانوية تكسب الشاب الخبرة العملية والمهنية، بل وتُعلّم الاعتماد على النفس، وكذلك الإحساس بمصاعب الحياة، فضلاً عن أنها تبني شخصية الموظف وتعطيه سعة أفق للحياة في وقت مبكر، كما أن اتباع ذلك الأسلوب يشير إلى الشعور بالمسؤولية، وإذا ما نجحنا في إيجاد هذا النمط من الشخصيات نكون قد حققنا الرسالة التربوية الصحيحة، وهي إعداد جيل الغد، الأمر الذي يُحتم تفاعل مختلف المؤسسات الجامعية، فهي السبيل الوحيد لنتمكن من تقديم شخص مؤهل لسوق العمل، يتوافق مع تطلعات القطاع الخاص والحكومي. «الرياض» التقت بعدد من الطلاب الذين كان لهم تجارب مع الوظيفة ثم الدراسة، وذلك لمعرفة انطباعهم بعد مرورهم بهذه التجربة، فكان هذا التحقيق. خبرة عملية في البداية قال «فيصل العبيد» - أحد منسوبي القناة السعودية: إن الوظيفة بعد المرحلة الثانوية تكسب الموظف الخبرة العملية والمهنية، بل وتعلم الاعتماد على النفس، والإحساس بمصاعب الحياة، فضلاً عن أنها تبني شخصية الموظف وتعطيه سعة أفق للحياة في وقت مبكر، مضيفاً أنه بعد أن التحق بالوظيفة بعد الثانوية العامة، واصل دراسته في «الدبلوم» قسم المحاسبة من جامعة الملك سعود، مؤكداً أنه لا علاقة للحالة المادية بالتحاقه بالوظيفة بعد الثانوية، حيث وضع أسرته المادي جيد، غير أن حبه الاعتماد على النفس كان سبباً رئيساً في التحاقه بالعمل وليس بالجامعة، ناصحاً الشباب بعدم رفض الوظائف حتى ولو كان الراتب قليلاً؛ لأن اكتساب الخبرة أمر مهم للوصول للمرتبات العالية والمناصب. وأوضح «يزيد طارق العامري» - موظف ويواصل دراسته الجامعية عبر التعليم الإلكتروني - أن الوظيفة بعد المرحلة الثانوية ليست أفضل من الدراسة الجامعية، ولكن بعض الظروف المادية تجبر الشخص أن يعمل؛ لتلبية بعض الاحتياجات المادية والشخصية، وحتى لا يكون عبئاً على والديه أو أسرته، مبيناً أن هذا ما دفعني إلى اختيار الدراسة في التعليم الإلكتروني ليتمكن من الموازنة بين المعرفة والعمل، خاصةً ولا تتطلب الدراسة الحضور اليومي، بل يكتفى بمرة واحدة أو مرة كل اسبوعين. تطوير الذات وذكر «العامري» أنه لمس من خلال الدمج بين الدراسة والعمل تطورا كبيرا في شخصيته ومهاراته في مجالات الحياة المختلفة، كما اكتسب مهارة التعامل مع رؤسائه وزملائه في الجامعة والعمل، بل وأصبح أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الصعبة والتصرف بحكمة ورويّة لكافة الظروف المحيطة والمستجدات الخاصة بالحياة أو العمل، مشيراً إلى أن العمل أثناء الدراسة يتيح الفرصة لتطوير الذات وتنمية المهارات الدراسية والوظيفية في آن واحد، وهو ما جنى ثماره مبكراً، حيث تمكن - بتوفيق الله - من الحصول على وضع وظيفي جيد، وفي الدراسة حقق أعلى الدرجات، مؤكداً أن الحصول على المال وسيلة لتحقيق وتلبية المتطلبات سواء الشخصية أو العائلية، وأيضاً لتطوير المهارات الفردية للطالب الموظف، كما أنه يُساعده على تحمل مسؤولية نفسه والاكتفاء المادي، إلى جانب التخفيف من الأعباء على الأسرة، وأيضاً المشاركة في تلبية احتياجاتها المختلفة. أهمية متساوية وذكر «بسام طاهر» - موظف يواصل دراسته الجامعية في التعليم الإلكتروني - أن العمل بعد الثانوية العامة أفضل لكسب المال وتلبية المتطلبات المعيشية، إضافةً إلى فوائده الكبيرة على إكساب المهارات، مضيفاً أن الخبرة تساعد الطالب على التفوق في مكان عمله، مشيراً إلى أن العمل يُعد وسيلة للحد من إرهاق الأسرة بالمصاريف الكبيرة للطالب الشاب، مؤكداً أنه غالباً ما تكون الحالة المادية هي السبب الرئيس في البحث عن الوظيفة بعد الثانوية، وربما يكون السبب الآخر هو الحصول على الخبرة، ناصحاً خريجي الثانوية بمواصلة الدراسة أولاً، ولا يمنع أن يعملوا في حال توافر وظيفة مناسبة، بشرط ألاّ تكون متعارضة مع وقت الدراسة. ورأت «أماني عبدالمحسن شاهين» الوظيفة والدراسة الجامعية أنهما بنفس القدر من الأهمية، فالوظيفة مهمة لأنها تساعد الطالب الموظف على تحمل المسؤولية، وتساعده على بناء الحياة المستقلة، وللدراسة أهميتها لأنها توفر للإنسان الدعم اللازم ليكون قادراً على التعامل مع مختلف مجالات الحياة، مؤكدةً على أن الدراسة لها أهميتها، كما أن العمل أثناء الدراسة له أهميته. شبّاب ينهون إجراءات تقديمهم على وظائف بعد الثانوية مع إكمال دراستهم الجامعية عن بُعد استقلال مادي وذكرت «أماني» أنه في بعض الأحيان تكون الحاجة المادية دافع هام للبحث عن فرصة عمل بعد الثانوية، خاصةً إذا كان الطالب أو الطالبة يبحث عن الاستقلالية المالية، ولا يرغب في تحميل أسرته المزيد من الأعباء. وأوضحت «تغريد حمدان العنزي» أن الوظيفة تُعد مكملة للدراسة، وقد يلجأ بعض إلى دمج العمل بالدراسة بسبب الظروف الاجتماعية له، أو لرغبته في تطوير ذاته، أو الاستقلال المادي، خاصةً وهو يشعر أنه في مرحلة عمرية مناسبة للاعتماد على الذات، مبينةً أنها واصلت دراستها بعد حصولها على العمل، وأفادت من هذه التجربة كثيراً، مشيرةً إلى أنه قد يكون للحاجة المادية سبب في البحث عن العمل بعد المرحلة الثانوية، خاصةً إذا كانت الظروف تتطلب ذلك، ناصحةً الخريجات بمواصلة الدراسة الجامعية والتخطيط السليم لتحقيق الأهداف المستقبلية. الانخراط في سوق العمل مبكراً يزيد من خبرة الفرد وتطوير ذاته وتحمل مسؤوليات الحياة بلا حاجة إلى أحد ولأولياء الأمور رأي في ذلك، حيث رأى «قاسم القاسم» - ضابط متقاعد: إنه في حال توفر وظيفة جيدة وملائمة فإنه لا مانع من التحاق ابنته أو ابنه في الوظيفة، شريطة أن يكمل دراسته لاحقاً، مبيناً أن الدراسة الجامعية لها وقعها العلمي والنفسي على الطالب، حيث انها تصقل مهارته العلمية والبحثية، وتساعده على تطوير نفسه مستقبلاً، سواء بالعمل أو بالبحث عن وظيفة أفضل. أسلوب أكاديمي وأوضح «د. غرم الله بن عبد الله الغامدي» - مدير الجامعة العربية المفتوحة بالإنابة - أن فلسفة التعليم المفتوح تنبني على أن يستمر الطالب في عمله أثناء مواصلته للدراسة الجامعية، مضيفاً أنها ثبتت العديد من الفوائد سواء من الناحية الشخصية أو من الناحية الأكاديمية أو من الناحية العملية، مبيناً أن هذا الأسلوب الأكاديمي يساعد الطالب على اكتساب الخبرة العملية مع استمراره في التحصيل العلمي، وكذلك تمكنه من الدمج بين الدراسة الأكاديمية والتطبيق العملي، وبذلك نكون قد حققنا الهدف من العملية التعليمية، وهو أن تتوافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، مبيناً أن الطالب بعد المرحلة الثانوية يكون قد وصل إلى عمر (18) عاماً، وهي أفضل مرحلة عمرية ليبدأ الإعداد على تحمل المسؤولية والاستعداد للحياة الجامعية، ومن ثم الحياة العملية، مؤكداً أن ذلك يُعد توجهاً تربوياً ومهنياً، يتيح للطالب الحصول على الخبرة العملية والدراسة الأكاديمية. مسألة نسبية وذكر «د. الغامدي» أن سبب تفكير بعض خريجي الثانوية العامة بالوظيفة من دون مواصلة الدراسة، تُعد مسألة نسبية، وتختلف من شخص إلى آخر، وتعود إلى تركيبة الشاب الشخصية والتنشئة الاجتماعية والأسرية، مبيناً أنه إذا لجأ الشاب إلى اتباع أسلوب البحث عن الوظيفة، فان هذا يشير إلى أنه يشعر بالمسؤولية، وقادر على إدارة شؤونه بنفسه وهي خطوة هامة، وإذا نجحنا في إيجاد هذا النمط من الشخصيات نكون قد حققنا الرسالة التربوية الصحيحة، وهي إعداد جيل الغد، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة تُعد صحية، بل وربما أذهب إلى أكثر من ذلك، وأدعو إلى تعميمها بل وتشجيعها، مؤملاً من مختلف المؤسسات الجامعية أن تشجعها فهي السبيل الوحيد لنتمكن من تقديم شخص مؤهل يكون جاهزاً لسوق العمل، ويمكن بذلك أن نتوافق مع تطلعات القطاع الخاص والحكومي. د. غرم الله الغامدي يزيد العامري بسام طاهر قاسم القاسم