ما أن ينتهي الشباب من رحلة التعليم الشاقة والحصول على الشهادة الجامعية، حتى تواجههم متطلبات سوق العمل، وشروطه التعجيزية أحياناً، وفي مقدمتها الخبرة بين عام إلى خمسة أعوام، وربما أكثر، وهي الصدمة التي زادت من قوائم "العاطلين" عن العمل، وهنا يصبح الشباب من الجنسين في موقف لا يحسدون عليه، حيث تصبح الشهادة بلا فائدة، بل إن هناك من يتنازل عن شهادته في العمل لأجل الحصول على الخبرة. شهادة وخبرة في البداية تقول "د.منيرة العصيمي" -مدير عام الإدارة العامة للتمريض في وزارة الصحة-:إن نوعية المهنة هي من يحدد الخبرة أم الشهادة، فهناك وظائف تحتاج إلى الشهادة العلمية أولاً، كالجامعات والتدريس، وهناك وظائف تحتاج للخبرة أكثر مثل الأعمال الفنية، وهناك وظائف تحتاج للشهادة والخبرة معاً وإلى التطوير ومتابعة كل ما هو جديد مثل المهن الطبية، مضيفةً أنه لو ناقشنا هذا الموضوع من جانبين، الجانب الأول كنظام وتطبيق نظام السعودة في القطاع الخاص، لابد أن يقابلها جدية من المواطن الراغب في العمل، هذا القطاع الذي عادةً يطلب الخبرة مع الشهادة ويتمسك بالموظف الجاد، ويستغنى عن الموظف الكسول المتلاعب، مشيرةً إلى أن مجلس الشورى في صالح الخريجين ومنهم المتطوعون، حيث أقر لهم بعض الحقوق كالمواصلات والسكن وغيرها إلى أن يتم تعيينهم رسمياً، مشددةً على أهمية تطوير القدرات والمهارات، فمثلاً الخريجات التربويات يشاركن في مدارس صغيرة حتى يكتسبن الخبرة إلى أن يحصلن على الوظيفة الرسمية، مقترحةً تكاتف الشباب والشابات، فمن لديه القدرات المادية يساند من لديه قدرات التفكير الإيجابي بالطرق "التكنولوجية" ك"الإنترنت". عقدة المواطن! وتقول "هدى الجريسي" -مدير معهد خاص لتدريب الحاسب الآلي-: إن قناعة الشركات لا تزال أن المواطن غير مناسب أو غير جدي أو لا يملك طموحا والأجنبي أفضل منه، وهي من أوجد "عقدة المواطن"؛ لأن هذه الشركات ترى -من وجهة نظر البعض- أن الشباب لا يمتلكون الإمكانات والقدرات والخبرات التي تؤهلهم لشغل الوظيفة، ناصحةً أي فتاة بالاستفادة من وقتها وتطوير مهاراتها وعدم التوقف عند حدود الشهادة العلمية، وهذا ما يجعل كفة الأجانب ترجح للوظيفة، حيث يتقدمون ومعهم مجموعة من شهادات الخبرة. وأضافت أن ثقافة المجتمع يجب أن تتغير من أسلوب التلقين إلى أسلوب البحث عن المعلومة في المدارس والجامعات، وهذا سيحفز شباب وشابات المجتمع على التعلم والمهارة وإتقان الخبرات، ضاربةً مثالاً بالمدارس الخارجية، ففي سويسرا لا يحصل الطالب على الدرجة النهائية إلاّ إذا كان العمل أو البحث المقدم بمجهود فردي، حتى وإن كان ليس بالمستوى المطلوب، بينما العكس يحصل عندنا!، حيث تقدم البحوث والأنشطة الطلابية من إعداد خدمات الطالب أو المكتبات!. النظام والحاجة وتوضح "أماني عبد الله" -تخصص تعليم خاص-، أنها تنازلت عن الشهادة مقابل الخبرة في مركز أهلي للفئات الخاصة، لأنها من وجهة نظر سوق العمل هي الأهم. ويقول "عبد المحسن المطوع" -موظف-: إنه في وقتنا الحاضر تُعد الواسطة هي سيدة الموقف، وهي مقدمة على الخبرة والشهادة في القطاعين الأهلي والحكومي لكل من الرجال والنساء، مضيفاً أنه كثيراً ما نرى أُسر معظم أفرادها يعملون في نفس الوزارة أو الشركة، وهم يحملون شهادات بغير التخصص المطلوب، وإذا كان هناك أقسام نسائية فالقريبات أولى بالمعروف. غياب النظام ويذكر "أبو عبد العزيز" -متقاعد مبكر-، أنه أمضى في العمل بأحد القطاعات الأهلية ما يقارب الثلاثين عاماً، أي في حدود الجيلين، وكانت بداياته في التوظيف أثناء دراسته في الجامعة، حيث كان يتقن اللغة الإنجليزية، وكان شغوفاً بالتطوير وتنمية المهارات، ومع ذلك ظلمته "الواسطة" والمحسوبية، مضيفاً أن رؤسائه لم يلتفتوا لأدائه وخبراته وشهاداته، لتمر السنوات، ويتعين شباب حملة الثانوية العامة كرؤساء أقسام ومديرين وبرواتب مرتفعة، ليس لخبرتهم أو شهاداتهم، وإنما لمهارة المحاباة والمجاملات، أو النفاق الإداري، في ظل غياب النظام. ضد السعودة! وبشيء من التهكم يقول الشاب "عبد اللطيف صالح": إن معظم أصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة يعزفون على وتر الشهادة والخبرة والمهارات؛ لمحاربة السعودة، مضيفاً: "من واقع تجربتي المريرة، فقد عملت في شركة وطنية بعد حصولي على الشهادة الثانوية، وبقيت مدة ثلاثة أشهر، وبعدها تم تعييني بعقد يُجدد سنوياً وبراتب 1800 ريال، ولا يوجد بدلات أو راتب إجازة، والعمل على فترتين بما فيها يوم الخميس، وبعد عام من المثابرة طورت من قدراتي ومهاراتي، وحصلت على دورات في الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية، إلى جانب تطوير ذاتي، ولكنها لم تجير في رصيدي، وكانت العلاوات قليلة جداً قياساً بالجهد المبذول، وبعد خمس سنوات وصل راتبي إلى 3000 ريال"، مشيراً إلى أن راتب رئيسه الأجنبي في العمل، هو ضعف راتبه مع البدلات والسكن والتذاكر. طبيعة المهنة وتوضح "نورة إبراهيم" -معلمة في مدرسة أهلية-، أنه منذ عامين حصلت على شهادة جامعية من كلية تربوية، إلا أن إدارة المدرسة تتعامل مع المعلمات القديمات الحاصلات على دبلوم الكلية المتوسطة بشكل مختلف جداً عن الجامعيات؛ لأن لديهن الخبرة فقط، مع أن خريجات الكليات التربوية في غير الحاجة إلى الخبرة. ويؤكد "فيصل الودعاني" -موظف حكومي- أن الخبرة في المؤسسات الأهلية تأتي في المقدمة على الشهادة بالنسبة للمواطن، بينما المقيم تقدم شهادته وتقدر خبرته، مضيفاً أنه في المؤسسات الإعلامية لا قيمة للشهادة أو الخبرة على الإطلاق، وهذا ما حدث لأحد زملائه الذي عمل عشر سنوات في الإعلام، وعندما أراد العمل في مؤسسة أخرى، لم تحسب خبرته على الإطلاق، ليقل دخله المادي، ويضطر لترك العمل ويفتح مكتب خدمات عامة. وتقول "هدى النعيم" مديرة القسم النسائي في مركز الأمير سلمان الاجتماعي: إن الإجابة على مثل هذا التساؤل يعتمد على طبيعة المهنة أو الوظيفة المتاحة، ففي المجال التربوي الكليات التربوية تقوم بتدريب المعلمات والمعلمين، ولهذا اشتراط الخبرة غير ضرورية، بينما في الوظائف الخدمية للمجتمع أو التقنية بالتأكيد فإن الخبرة مهمة جداً.