تواجه مهنة "صيد السمك" كثيرا من التحديات في سبيل استمرارها خصوصاً بعد التراجع الكبير في أعداد المواطنين المزاولين لهذه الحرفة، على الرغم من أنها مهنة قديمة ومتوارثة عبر الأجيال؛ وذلك لعدة أسباب يعزوها البعض إلى ما تتطلبه من جهد كبير، إلى جانب أن البحر نفسه لم يعد يجود بالخيرات كما كان سابقاً، بعد أن تعرضت طبيعته للعبث والتخريب طوال عقود مضت من خلال علميات الردم المستمرة على الرغم من القرارات السامية منذ عام 1403ه، والقاضية بعدم المساس بالسواحل؛ لكونها أحد أهم الموارد الاقتصادية واعتبارها خط أحمر لا يسمح بالاعتداء عليه. إلاّ أن المسطحات البحرية يوماً بعد آخر تتعرض للدفن والردم، ما أدى إلى تراجع كميات الأسماك بشكل كبير، وبالتالي ابتعاد المواطنين عن ممارسة تلك المهنة، والاستعانة بالعمالة الأجنبية حتى سيطروا في الآونة الأخيرة على هذه الحرفة، من دون وجود شباب مواطنين يقبلون الذهاب إلى البحر لمدة تتجاوز الأسابيع في وقت لا تصل فيه كمية الصيد الحد المأمول. غابات المانجروف تحولت لردميات ومخططات سكنية تصوير - زكريا العليوي ترغيب الشبان وطالب صيادون من الجهات الحكومية المختلفة المتمثلة باللجنة الخماسية بإعادة النظر في ما يقدم للصياد من مميزات؛ تسهم في استمراره بهذه المهنة أسوةً بما يتحصل عليه المواطن في مختلف المهن، وذلك لترغيب الشباب بمزاولة الصيد؛ لكون أغلب الصيادين الحاليين هم من كبار السن ويشكون من التجاوزات الكبيرة التي يفعلها العمالة الأجنبية الممتهنة الصيد؛ بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المال بلا أي اهتمام بكيفية المحافظة على مواقع الصيد والطرق السليمة للإبقاء على الحياة الفطرية، إضافة لبعض التجاوزت تجاه الأسماك في شباك الصيادين الآخرين. اعتزلوا مهنتهم وسلموها ل «الأجانب» بدلاً عن أولادهم الذين فضّلوا الوظيفة على «تعب ما يسوى» تاريخ المهنة وعُرفت مهنة الصيد بالمنطقة الشرقية منذ سنوات بعيدة، حيث كان الأهالي يعتمدون على هذه الحرفة كمصدر رزق رئيس، إضافةً لبعض الحرف الأخرى كالزراعة التي لا تقل شأناً عن الصيد في ذلك الوقت، فيما لم يقتصر التعامل مع البحر بصيد الأسماك فقط، بل تجاوز ذلك من خلال التجارة والتواصل مع العالم بتصدير الأسماك المجففة واللؤلؤ والمنتجات الأخرى، إضافة لاستقبال زوار المملكة وقوافل الحجيج، ما جعل عدد من المرافئ في المنطقة محط أنظار التجار من مختلف دول العالم لتصبح بعض مدنها وقراها مراكز تجارية لساحل الخليج. يحتاجون إلى «ضمان المحرك» والصيانة ومرافئ للصيد والتدريب على التقنية فيما ساهمت وفرة الأسماك وتنوعها على الساحل الشرقي بجذب اهتمام الأهالي لمزاولة الصيد لما فيه من خير كثير، ساهم في إنعاش حالتهم الاقتصادية، إلى جانب توفير الغذاء البحري لمناطق كثيرة، بعد أن برعت بعض الأسر في اتقان المهنة التي تحتاج للتعرف إلى الأوقات المناسبة للصيد والمواقع التي يكثر فيها السمك، إضافة إلى حرصهم على البحر وعدم سماحهم بأي تجاوزات قد تتسبب بإفساد البيئة البحرية التي تعد من أهم مصادر الرزق لهم، ثم يعمدون بعدها إلى توريث هذه الحرفة لأبنائهم وأحفادهم الذين تعلموا أسرار المهنة حتى أيقنوا أن "البحر" يُعطي بقدر حجم الاهتمام والمحافظة عليه. وكان مستحيلاً أن تجد بحّاراً مُحباً للبحر يرمي مخلفات وأوساخ في المياه حتى وإن كانت قليلة، فيما يعمد الحريصون على الحياة الفطرية على إعادة الأسماك الصغيرة لضمان تكاثرها، إلاّ أن كل ذلك تبدّل في الآونة الأخيرة، فلا البحر أصبح ممتلئاً بالخيرات، ولا البحارون غيورون على بحرهم بمنحه جل اهتمامهم لينالوا منه الكرم السخي والجود والعطاء. ردم البحر قلّص حجم الثروة السمكية قلّة الصيادين وكشف "جعفر الصفواني" - نائب رئيس جمعية الصيادين بالمنطقة الشرقية - أن أعداد الصيادين السعوديين تصل إلى نسبة تقل عن (10%) بالنسبة للقوارب الصغيرة ذات المحركات، فيما قد تبلغ نسبة السعوديين في القوارب الكبيرة "اللنشات" (صفر%)!؛ وذلك بعد أن تغيّرت معادلة المركب أو القارب الذي كان النوخذة ورفاقه هم من يديرون دفته. وأكد أن العمالة الأجنبية احتلت موقع الصيادين السعوديين الذين عزفوا عن ممارسة مهنتهم على الرغم من الثروة السمكية في ساحل الخليج العربي الممتاز بكميات الأسماك وأنواعها المرغوبة للمستهلك، إلاّ أن تلك الثروة تراجعت بشكل ملحوظ في الثلاثة العقود الماضية، ما أدى إلى تراجع عدد مزاولي هذه المهنة بشكل كبير، حيث أجبرت ظروف الحياة المعيشية الصيادين على البحث عن بديل لتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم". داود آل سعيد صعوبة تواصل وأشار العقيد "خالد العرقوبي" - الناطق الإعلامي لحرس الحدود بالمنطقة الشرقية - إلى أن التعامل مع الصيادين السعوديين أكثر سهولة من التعامل مع الصيادين الأجانب، خصوصاً عندما لا يتقنون التحدث باللغة العربية أو الإنجليزية، حيث نسبةً كبيرة من العمالة الأجنبية يتحدثون اللغة الأوردية، ما يسبب صعوبة في التواصل معهم نوعاً ما، إضافة إلى تعرضهم لمواقف مع حرس الحدود لدول مجاورة في حال تخطيهم الحدود الإقليمية بشكل غير متعمد. وقال: "إن تجاوب الصيادين المواطنين بعدم الاقتراب من المناطق المحظورة أكبر؛ نظراً لتفهمهم أهمية التقيد بأوقات الصيد، إضافة إلى حرصهم في المحافظة على البيئة البحرية باعتبارها مصدر رزق لهم، ولعلمهم أن أمانة الحفاظ على البيئة تقع على الجميع من دون استثناء. جعفر الصفواني الحال تغيّر وذكر "داود آل سعيد" - صيّاد وعضو جمعية الصيّادين - أن الثورة الصناعية التي شهدتها المملكة في مختلف القطاعات لم تقلّص أعداد الصيادين، منوّهاً أن ما يجنيه الصياد في فترات سابقة يعادل راتب شهرين في شركات البترول بالمنطقة مع فارق عدد ساعات العمل والجهد، وهو ما حدث مع عدد من الصيادين الذين حاولوا ترك مهنتهم للعمل مع الشركات، إلاّ أنهم اكتشفوا أن العمل في صيد السمك أكثر ربحاً وفي نفس الوقت أقل جهداً. وقال: "كنت أجني (700) إلى (800) ريال في اليوم عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، وهذا المبلغ هو الراتب الذي يتقاضاه موظف في أحد أكبر الشركات النفطية في المنطقة، وهذا ما جعلني لا أعير أي اهتمام للإلتحاق بها في ذاك الوقت.. إلاّ أن الحال تبدل، وأصبح المدخول من البحر بالكاد يغطي مصاريف الأدوات والمستلزمات التي يحتاجها البحار لعملية الصيد". سعدون حمود وأضاف: "للأسف الصياد غير محمي في كثير من الأمور، فعلى سبيل المثال لا نتحصل على ضمان للمحركات التي نشتريها وتتجاوز قيمتها (30) ألف ريال، ما جعلنا نخاطب (الغرفة التجارية) لتلزم وكلاء بيع المحركات بتقديم ضمان لتعويضنا في حال حدوث عيوب مصنعية، فيما نتعرض لخسائر كبيرة بسبب عدم توفر مرافئ صيد مهيأة باحتياجات الصيادين ومراكبهم كالمواقف الجيدة التي تحمي المراكب في حال حدوث عواصف أو هبوب رياح قوية، كما أن عملية صيانة القوارب تكون صعبة لعدم توفر المتخصصين في رفع القارب بشكل متقن دون تعريضه لخطر السقوط أو الكسر، علماً أن قيمة (اللنش) قد تصل إلى (1,5) مليون ريال، فيما لا نحصل على ضمان أو تأمين في عملية الرفع من البحر أو الإنزال إليه". العمالة الأجنبية تسيطر على مهنة صيد السمك عدم تقبّل وبيّن "سعدون حمود" - لاعب المنتخب ونادي الاتفاق سابقاً - أنه يملك قوارب صيد لكونه من عائلة توارثت هذه المهنة، مبيناً أنه من الصعوبة بمكان سعودة حرفة الصيد؛ وذلك لعدم توفر شبان يقبلون أن يغيبون لمدة أيام وأسابيع في البحر بعيداً عن عائلاتهم والتزاماتهم الاجتماعية مقابل راتب لا يوفر احتياجات أسرهم، خصوصاً مع ما تشهده الأسعار من تضخم وارتفاع جعل مهنة الصيد غير مجدية اقتصادياً بالنسبة للمواطن. وقال: "الاستعانة بالعمالة الأجنبية ساهمت في ابتعاد المواطنين عن مزاولة المهنة؛ لكونهم لا يجدون مشكلة في تحمل مشقة العمل في البحر، خصوصاً العمالة الهندية الذين توارثوا الحرفة في بلادهم وبرعوا فيها"، مستبعداً أن تكون هناك تجاوزات كبيرة تصل إلى حد الظاهرة التي تتطلب تحقيق أو تقصي، إذ توجد جهات مسؤولة تتابع تحركات القوارب وتعاقب أي متجاوز أو مخالف لعملية الصيد أو الإبحار، وهو ما يسهم في حماية البيئة والثروات السمكية. نسبة السعودة في «اللنشات» وصلت إلى صفر بالمائة توريث المهنة إن أي مهنة أو حرفة لابد من إيجاد مسببات لاستمرارها، وهو ما يطرح تساؤلاً عن الآليات والمقومات المساهمة في استمرار حرفة الصيد المنقطع توريثها منذ فترة ليست بالبسيطة، وتحديداً بعد تغيّر خارطة المهن والأعمال في المملكة والبلدان بشكل عام، فمن المعروف أن كثير من المهن والحرف تحتاج إلى توّفر معاهد لتعليم أساسياتها، خصوصاً أن الطريقة السابقة التي كانت تعتمد على توريث المهنة من الأب لابنه وأحفاده لم تعد موجودة. وأوضح "محمد الحلال" - صيّاد - أنه تدرّب وتعلم هذه المهنة عن طريق والده، إلاّ أنه لا يرغب في هذا الزمن أن يعلّم ابنه هذه المهنة؛ لرغبته أن يكون ولده في وظيفة أفضل خصوصاً أن حرفة الصيد ليست كالسابق، مبيناً أن كثيراً من الاحتياجات يفتقر إليها الصيادون كمعاهد تدريب متخصصة بتطوير قدراتهم، خصوصاً في ظل التقنيات الكثيرة التي طرأت على الساحة التكنولوجية، حيث لم يعد الاعتماد على النجوم والعلامات البحرية سائداً كما كان في السابق، بل دخلت أجهزة مرتبطة بالأقمار الصناعية لرسم خرائط بحرية وتحدد النقاط المطلوبة بشكل دقيق لا يحتمل أي أخطاء، كما أن بإمكان الصياد أو البحار التعرف إلى عمق البحر من دون الحاجة لاستخدام "الثقل" المربوط بالحبال بعد ان توفرت الأجهزة التي تقرأ إلكترونياً وتقدم معلومات دقيقة عن الأعماق، ما يزيد من أهمية توفير معاهد تدريب على حرفة الصيد أسوةً بباقي الحرف كالنجارة والميكانيكا والحدادة التي تتوفر أقسامها في أغلب المعاهد المهنية. ودعا إلى توفير مرافئ مخصصة لإيقاف "القوارب" و"اللنشات" بطريقة تحفظها من مخاطر الرياح والعواصف، نظراً لما تتعرض له القوارب المتوقفة في المرافئ الخاصة بالصيادين والمعروفة ب "الفرض" للتصادم مع بعض في حال هبوب رياح قوية، مما يعرضها لخسائر كبيرة. توفير مرافئ وأوضح "الصفواني" أن اللجنة الخماسية المكونة من "الأمانة" و"حرس الحدود" و"الثروة السميكة" و"الأرصاد" و"المالية" تشترك في إمكانية إعادة الشاب السعودي لمهنة الصيد، من خلال توفير "الأمانة" أراضي على الساحل تصلح أن تكون مرفئاً مناسباً للصيادين، فيما سيوفر "حرس الحدود" كافة التسهيلات النظامية التي يحتاجها الصياد، بينما ستقوم "الثروة السمكية" بتوفر جميع المستلزمات والأدوات والاحتياطات التي يحتاجها البحار أو الصياد، كما ستقدم "هيئة الأرصاد وحماية البيئة" المعلومات والمستلزمات والأفكار التي من شأنها المحافظة على البيئة بعدة أساليب مختلفة، وتسهم "المالية" بتوفير السيولة لشراء المواقع والأراضي في حال عدم توفرها. وأضاف: "يجب النظر في كيفية توفير سبل تساهم في تحقيق مقومات استمرار حرفة صيد السمك؛ ليتمكن مزاولوها من العيش حياة كريمة كأي صاحب عمل وحرفة، فحتى مع دعم "وزارة الزراعة" و"البنك الزراعي للصيادين"، يوجد نقص كثير في جهات أخرى للصياد أو ملاك القوارب الذين يشكون من تضييق الخناق عليهم من قبل "نطاقات" الذي يفرض توظيف (10%) سعوديين على القوارب، وهو ما يؤدي في الأخير لتوقف هذه "اللنشات" لعدم توفر شباب سعودي مستعد للعمل في هذه المهنة الشاقة والمتعبة ذات الجدوى الاقتصادية المتذبذبة؛ نظراً لتقلب حالات الطقس طوال السنة وعدم التوفيق بالحصول على كميات وفيرة من الصيد في كثير من الأحيان، وهو ما يسبب أيضاً خسائر للملاك الذين عادة يقتسمون أرباح الصيد مع العمالة، إلاّ أن شرط (10%) أدى إلى عدم التمكن من الإبحار والصيد، وهو ما جعل العمالة الأجنبية تفكر بالرحيل بعد أن طال انتظارهم بدون مرتبات". وطالب بالمحافظة على "البحر" و"البحّار"، لضمان استمرار هذه المهنة، فمن المستحيل أن يكون هناك "بحّار" بلا بحر صالح للصيد، وفي الوقت نفسه، لا فائدة من "بحر" غني بالثروات بلا بحّار خبير بكيفية التعامل معه والمحافظة عليه. أرجع "جعفر الصفواني" سبب تراجع الصيادين عن ممارسة مهنتهم إلى "ردم السواحل"، حيث قضى ذلك على أفضل مواقع تفريخ الأسماك وحضانتها، مبيناً أن أغلب الكائنات البحرية تلجأ إلى الشواطئ لوضع بيضها كي ينشئ في بيئة خصبة مليئة بالغذاء المكون من "نباتات المناجروف"؛ ليكبر بعد ذلك ويتوجه للمياه العميقة بعض الشيء، إلاّ أن أعمال الردم والدفن خلال العقود الماضية قتلت كثيراً من مبايض وحاضنات الأسماك على الساحل، ليصبح البحر كالمرأة بلا رحم. أعمال الردم أثّرت في «مبايض الأسماك»! وقال: "كان الصيّاد لا يعاني كثيراً في الصيد، حيث مجرد وقوفه على الساحل لمدة ثلاث إلى أربع ساعات يستطيع اصطياد كميات وفيرة يبيعها، وتكفيه لتموين أسرته بالكميات اللازمة التي تكفيه وتتيح له أيضاً توزيع الفائض منها على الجيران، بينما أصبح الآن يحتاج لمجهود كبير يتمثل بالدخول لمناطق بعيدة داخل البحر قد يستغرق الوصول إليها 3 إلى 4 ساعات، فيما تحتاج عملية الصيد إلى ما لا يقل عن أربع إلى خمس ساعات، بخلاف التكاليف الأخرى كالوقود والمعدات، وفي الأخير لا تقارن كميات الصيد بالسابق، وهو ما أدى إلى تراجع أعداد الصيادين الذين فضلوا الإنسحاب من هذه المهنة المتعبة وغير المجدية في الوقت الراهن بعد أن تقلصت كميات الأسماك في المناطق القريبة بفعل ردم البحر". واستشهد بتراجع كميات صيد الربيان عن السنوات الماضية، حيث كانت سابقاً أيام فسح الصيد تشهد إغراقاً لأسواق السمك في المنطقة، حيث يصطاد القارب الواحد خلال عشر دقائق ما يقارب (1000) إلى (1600) كيلاً من الربيان، فيما لا تصل في السنوات الحالية حصيلة المركب في يوم واحد عن (700) كيلو.