لماذا تقرأ؟ حين يفاجئك أحد بهذا السؤال، قد تتلعثم ولا تجد له إجابة، ربما لأنك لا تجد سببا محدداً للقراءة، ولا تملك إجابة تبريرية أو دفاعية وكأنك تقوم بفعل خاطئ، ولا تجد إجابة تفسيرية لفعل شبه غامض هنا فبماذا تجيب لو سألك أحد لماذا تتنفس أو لماذا تأكل؟، أو لعلك لا تجد إجابة استعراضية لسؤال مستفز أو ربما لأنك فاشل في صنع الإجابات المفصلة حسب أذن السامع. فأنت تقرأ أحيانا لأنك لا تجد شيئاً آخر تفعله، وأحيانا لأنك تريد أن تهرب لعالم ينقلك بعيداً عن ما يجري حولك، وأحيانا تقرأ لتمضية الوقت، أو للبحث عن معلومة أو لحفظ إجابة أو لتجديد خلايا عقلك وشحنها، أنت تقرأ لأسباب مختلفة. قد تسمي القراءة "هواية" لكنها ليست بذلك فهي ضرورة من ضرورات الحياة. لملمس صفحات كتاب أو لطلة الكلمة عبر "كندل أو الاي باد" نكهة منعشة، قد تتقارب مع شخصية في رواية، وقد تغضبك شخصية أخرى، قد تكتشف مدى تشابه التجارب الإنسانية وأنت تقرأ مذكرات شخصية مشهورة، قد تشعر بطعم الألم والحرب والوحدة والرعب وأنت تقرأ في كتاب آخر يجسد تفاصيل انهيار مدينة غدر بها أبناؤها، قد تفجعك الوقائع، وقد تخيفك الحقائق. قد تسرح مع أحداث تاريخية في كتاب آخر، وقد تنبهر بما كتبه فيلسوف أو مفكر عاش في عصور مضت، قد تجذبك كتب تجسد مرحلة تاريخية معينة بكل تفاصيلها، وقد تفضل في لحظة أن تقرأ في مسألة معقدة في تخصصك الدقيق. وقد تهرب من كل هذا لنغمات في ديوان شعر تجعلك تتنسم منتعشاً. وللكلمة إغراؤها، وموقعها في عقلك وقلبك. لكن لماذا يتلذذ البعض بمحاربة الكتب؟ ومحاربة الكتاب لا تنحصر في دعوات لمقاطعة نشاط ثقافي أو رفض كتاب، بل في تصوير من يقرأ وكأنه شخص غير عصري أو شخص معقد يعشق الوحدة وغير قادر على التواصل مع الآخرين كما يحدث في بعض المشاهد التلفزيونية أو السينمائية؟ هل هي عجز النموذج التصويري على استيعاب التنوع الإنساني، وفشله في الخروج من النمطية؟ لا أعرف، لكنني سأسألكم سؤالاً قد يكون مستفزاً؛ لماذا تقرأون؟ وبماذا تشعرون وأنتم تتصفحون كتاباً أثار ضجة في الدنيا كلها أو سكن هادئاً خجلاً على رفوف مكتبة؟