كانت السيارة تنهب بنا الطريق بين الرباطوطنجة في يوم الجمعة التي سبقت موت فقيد الأمة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - وكنا اثنين أدركتهما حرفة الأدب؛ الأستاذ القاص عبدالله الناصر وأنا برفقة مثقف السفراء وأديبهم وسفير الأدب والثقافة الدكتور محمد البشر الذي يمثل وجهاً مشرقاً ونافذة مضيئة بين السعودية والمغرب. كانت السيارة تطوي الأرض التي تشم فيها عبق التاريخ وتسمع فيها قعقعة النضال وصليل سيوف العرب الفاتحين وهم يحملون على أكتافهم مسؤولية صفع التاريخ اتجهنا إلى قصر الأمير بطنجة فوجدنا قبلنا لفيفاً من الأدباء والفضلاء ورجال الدولة من البلدين الشقيقين بعد هنيهة من الزمن أقبل علينا الأمير سلمان بن عبدالعزيز يتمنطق بسيف العز ويتهلل بوجه الاشراق يرحب بحميمة الصفاء وشهامة العربي الأصيل. وجه الأمير تقرأ فيه بريق المجد ومدارات الحكمة وعصارات التجارب وحشداً كبيراً من حكايات الزمن لتصبح المعادل الحقيقي لقيمة ومكانة الأمير الثقافية والتاريخية والسياسية. قربني إلى مجلسه بحميمية العربي الأصيل وكرم الشهم النبيل ثم داعبني ببعض الجمل عن قبيلة هذيل وهي القبيلة التي انتسب إليها فرددت رداً يليق بمكانة المكين وجلالة المكان ثم قدمت إليه كتابين من كتبي عن الأندلس وهما: (ابن شهيد الأندلسي وجهوده في النقد الأدبي) و(قراءة جديدة للموشحة الأندلسية أنشودة الشعب وأغنية الحرية) فحينما رآهما قال: هل تعلم بأنني عاشق للأندلس وبدأ يتكلم بلغة المثقف المتمعن في تاريخ الأندلس الملم بشؤون ندواته. وكان يحضر الجلسة والي طنجة الذي انبهر من ثقافة الأمير وسعة اطلاعه وخاصة حينما انحرف مسار الحديث إلى تاريخ المغرب ومجتمعها وطبائع أهلها. لقد رأيت أمامي الأمير سلمان بن عبدالعزيز يتسامق كقامات النخل في مهب المعارف والعلوم والتاريخ والأدب والثقافة بعقلية تمتلك قدرة فائقة على التحليل والطرح العميق والرؤية الثاقبة، أدهشني وأدهش غيري من السامعين بهذه الموسوعية الحاضرة والقصص النادرة والتمكن من قراءة الأحداث وخاصة ما يتصل بتاريخ المملكة العربية السعودية، فقد عجمته السياسة وصقلته التجربة الطويلة. إن الأمير سلمان اختيار موفق من خادم الحرمين الشريفين صاحب القرارات الشجاعة ورجل الدولة الأول الذي يقود سفينتها ويوجه دفتها في وقت يموج بالأحداث والفتن والمتغيرات السريعة. فهنيئاً لنا بهذا الاختيار وهنيئاً للوطن بهذه القيادة الحكيمة.