تُعد "الصدقات العائلية" من مظاهر التكافل الاجتماعي، وقد تطورت في وقتنا الحاضر واتخذت أشكالاً مختلفة، حيث عُرف مؤخراً ما يسمى ب"الصناديق العائلية الخيرية"، وهي أوعية مالية مخصوصة يراد منها تحقيق التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة، بما فيهم أبناء العمومة والأخوال، والهدف منها إعانة المحتاج من أفراد العائلة أو الأقارب مهما كانت حاجته، كإعانته على دفع الدية، أو تسديد الديون، أو مساعدته في تكاليف زواج، وغير ذلك من الاحتياجات الطارئة التي يتعرض لها أي فرد من العائلة، وهنا يجب أن لا يُكلف الإنسان نفسه عناء البحث عن البعيدين ومن بين يديه ومن خلفه أحبة يحتاجون إلى من يساعدهم. وباتت لهذه الصناديق العائلية شروط محددة، ومبالغ مقننة تؤخذ من أفراد الأسرة، ويتولاها شخص موثوق، مهمته الإشراف عليها وتوزيعها على المحتاجين كلٌ بحسب حاجته. "الرياض" تطرح الموضوع وتناقشه، فكان هذا التحقيق. مبدأ إسلامي بدايةً، ذكر "محمد الحسن" -مشرف تربوي- أنّه من الضروري إدراك أنّ التكاتف الأسري من أهم الركائز الاجتماعية التي دعا إليها الدين الإسلامي، مبيناً أنّه من هذا المنطلق كان التعاون والتكافل بين أفراد الأسرة مبدءاً إسلامياً، بل ووجهاً من وجوه التعاضد والتعاون في السراء والضراء، لافتاً إلى أنّ قدوة المسلمين جميعاً محمد صلى الله عليه وسلم كان رحيماً بأهله ومعطاءً، مشيراً إلى أنّه في هذا العصر طغت العلاقات المادية ولغة المصالح على مبادىء التكافل والبر، منوهاً أنّ الإحسان في ذوي القربى أفضل بكثير من الإحسان لغيرهم. وبيّنت "منيرة محمد" أن عائلتها تحرص كثيراً على المعونات بين أفراد الأسرة، ويعمدون إلى مساعدة من يحتاج مالياً أو غيره، مبينةً أنّ أحد إخوتها قد مرّ بضائقةٍ مالية؛ مما دفعه إلى جمع مبلغ بسيط من جميع أفراد الأسرة، وقدموه له، مبينةً أن المبلغ ساعده في حل أزمته المالية. وأشارت "بدريه العمري" إلى أنّه يوجد لديهم ما يعرف ب"صندوق العائلة"، يقررون تحصيل مبلغ معين يتفقون عليه من جميع أفراد الأسرة، ثم يضعونه في الصندوق، مضيفةً أنه يشرف عليه كبير العائلة، ذاكرةً أنه من خلاله تقدم المساعدات لمن يحتاجها. تكافل أسري وقالت "مباركة الزبيدي" -إعلامية ومدربة في التنمية البشرية-: "ساد كثير من المتغيرات على المجتمع، ومن ذلك التكافل الاجتماعي والمساعدة في تكاليف المعيشة، وكذلك توفير المتطلبات الحياتية والاحتياجات الشخصية، مضيفةً أن الملاحظ على مستوى الكثير من الأسر أنّ الأب مسؤول عن الابن والابنة في توفير متطلباتهم الشخصية إلى أن ينهيا المرحلة الثانوية، بعد ذلك يستمر في الإنفاق عليهما في حالة إذا لم يجدا قبولاً في الجامعات، أو لم يحصل الابن على وظيفة، مبينةً أن هناك من أجبر أبناءه بعد تخرجهم على الالتحاق بالضمان الاجتماعي رغم قدرته على الإنفاق عليهم، ذاكرةً أنه من المؤسف أنّ هناك إخوة وأخوات يقيمون في منزل واحد، منهم من يملك فقط ما يكفيه من مكافأة الجامعة، ومنهم من لا يملك شيئاً؛ لأنّه قد تخرج ويخجل في الوقت ذاته من طلب المساعدة ممن حوله"، مشددةً على ضرورة الدعوة إلى التكافل الأسري؛ من أجل تقديم الدعم المادي والمعنوي. ارتفاع المعنويات وأوضحت "مباركة الزبيدي" أنه ليس من السهل أن يقبل الأخ الأكبر أو الأخت إعانة مادية بشكل مباشر ممن يصغره، خاصةً وأنّ هناك من كان يُمنّي النفس أن يكون هو المسؤول عنهم بعد تخرجه، لكنه لم يوفق، مبينةً أنّ الحل في اشتراك جميع أفراد الأسرة لإعداد ميزانية عامة، وعلى ضوئها يحدد كل فرد ما يتمنى أن يشتريه، ويشارك بما يستطيع -وإن كان مبلغاً زهيداً-، مشددةً على أنه من المهم أن يتفق الجميع على تاريخ معيّن تسلم فيه المبالغ لرئيس يتم انتخابه، بعد ذلك يحدد المبلغ الشيء الأهم الذي يستحق أن يُشترى، وترتب الطلبات تباعاً لكل شهر، وفي حالة وجود من هو أكثر احتياجاً يتم تقديم المبلغ له كهدية في احتفال صغير، بحيث يشعر أنّها بالفعل هدية. وقالت:"لا يمنع أن يتعاون الجميع في ترابط أسري مع بقية أفراد العائلة، وينظم حفل لتوزيع الإعانات بشكل جوائز، ويتكرر بشكل دوري إلى أن تتحسن أوضاع المحتاجين؛ وذلك لأنّهم إن شعروا أنّ ما يقدم لهم هدية سوف يخفف عنهم الكثير، إضافةً إلى أنّ معنوياتهم سترتفع إذا شعروا أنّهم أشخاص محبوبون من ذويهم، وقد يدفعهم ذلك للإجتهاد قدر ما يستطيعون لتحسين أوضاعهم ويكونون مثلهم". أعظم القُربات ولفت الشيخ "تركي بن رشود الشثري" -داعية إسلامي- إلى أنّ أبهى صور التكافل الاجتماعي تلك التي تكون بين الأقارب وذوي الرحم، فلا يُكلف الإنسان نفسه عناء البحث والاستقصاء عن البعيدون ومن بين يديه ومن خلفه أحبة يحتاجون إلى من يساعدهم، وكم ينسى المصلح أو الداعية أو الساعي على الأرملة والمسكين من هم أقرب إليه من سواهم في لُجة اشتغاله بالناس وهمومهم، وقضاء حاجاتهم، مضيفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر أن يُنذر عشيرته الأقربين، وأنذرهم، موضحاً أن الناس دائماً ينظرون لأقارب الداعية أو طالب العلم أو المصلح أو الغني المعطاء، ليجعلوهم علامة على إتقانه لمهمته ونجاحه في دعوته، فمن أهمل قرابته فهو لمن سواهم أهمل، وإذا ضيّع من لهم حقٌ عليه فهو لمن سواهم أضيع، مؤكداً على أن أعظم القربات وأعظم العبادات وأزكى الصدقات هي التي تكون للأقارب ويخصون بها.= حسن ونافع وذكر "الشثري" أنّ ذلك لا يعني أن يترك الإنسان العمل المتعدي النفع لبقية الناس من أجل أن يحظى قرابته به لوحدهم، بل المطلوب أن ينفع المسلم الأباعد، ولكن ذلك لا ينسيه بحال من الأحوال من هم ألزم عليه من غيرهم، مضيفاً أن الأقارب قد يحسدون أو يؤذون أو يكون بينك وبينهم ما يكون بين كل جسمين متحاكين، فلقاؤهم الدائم ومقارنتهم بك ومقارنتك بهم تولد ولابد شيء من الضغائن، مبيناً أن مهمة الصدقة والتكافل الاجتماعي أن تسل سخائم النفوس وتهدئ روع كل من الطرفين، وقد جاء في صحيح الترغيب والترهيب عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" أيّ المظهر للعداوة، والله تعالى قال: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"، مشيراً إلى أنّ للشيخ الشعراوي تعليقاً لطيفاً على هذه الآية، حيث قال: "والخير هو الشيء الحسن النافع، والمُنْفَق عليه هو دوائر الذي يُنْفِق؛ لأنّ الله يريد أن يُحَمّل المؤمن دوائره الخاصة، حتى تلتحم الدوائر مع بعضها فيكون قد حمّل المجتمع على كل المجتمع، لأنّه سبحانه حين يُحَمّلني أسرتي ووالدي والأقربين، فهذه صيانة للأهل، وكل واحد منا له والدان وأقربون، ودائرتي أنا تشمل والديّ وأقاربي، ثم تشيع في أمر آخر؛ في اليتامى والمساكين فستجد الدوائر المتماسكة قد شملت كل المحتاجين، ويكون المجتمع قد حمل بعضه بعضاً". صلة رحم وأوضح "الشثري" أن للإنسان مجموعة روابط "رحم" و"رحمة" و"عقيدة"، والمنهج الإلهي يراعي نزوعات الإنسان وما جُبل عليه من إيثار القرابة بالوصل والهبة، فلا يفترض بالإنسان تمام التجرد، بل يلبي نداء الفطرة فيه بأن يبدأ بنفسه وبمن يعول، كما جاء في صحيح مسلم عن جابر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلدى قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا.."، وقال: "الصدقة في المسكين صدقة، وفي ذي الرحم صدقة وصلة"، مبيناً أن من كان في مقام الداعية أو الواعظ أو العالم، فهو أحرى بتعاهد قرابته بكل صلة وبر وإحسان، وجاء في البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" إنشاء صناديق تعاونية في المنزل تنمّي مفهوم التكافل في نفوس النشء