الحكم الذي أصدرته محكمة عنيزة والمتعلق بتعزير أحد المفحطين بضرب عنقه حتى الموت نظرا لتسببه بمقتل ثلاثة شباب هو حكم جدير بالتأمل. فالحكم لقي تأييدا ساحقا من المعلقين في المواقع الاخبارية لدرجة أن الخبر حصد مئات التعليقات في موقع هذه الصحيفة وحدها. هذا الكم الكبير من التعليقات المؤيدة لايمكن النظر اليه بمعزل عن الرعب الذي يتسبب به التفحيط في طرقنا. عندما قلت بأن الحكم جدير بالتأمل كنت اقصد بأنه يتعين علينا استخلاص العبر من القصة برمتها. إذ إن التفحيط عاد، خلال السنوات الأخيرة، ليصبح ظاهرة مزعجة يشكو منها الناس ولم ننجح، كمجتمع، في معالجتها بطريقة تتيح للشباب استغلال طاقاتها وتبعد خطر رعونة المفحطين عن الشوارع. لنكن موضوعيين ونعترف بأن العقوبات الرادعة فشلت في إيقاف الظاهرة. فالمفحطون، عادة، لا يفحطون باستخدام سياراتهم الخاصة ما يصعب من معرفة هوياتهم الحقيقية؛ كما أنهم ماهرون بالقيادة لدرجة أن القبض عليهم متلبسين مهمة شبه مستحيلة. والمفحطون، فضلا عن ذلك، شباب يبحثون عن الإثارة والشهرة؛ والتفحيط يوفر لهم هاتين الرغبتين. لذا ربما يكون من المجدي أكثر تنظيم هذه الظاهرة بعد الفشل في وأدها. إذ ما الذي يمنع من إنشاء ميادين خاصة بالتفحيط تقام عليها منافساته وتحظى بالتغطية والدعم والتنظيم، ما الفرق بين رياضة سباق السيارات وبين التفحيط؟ بل ما الفرق بين التفحيط وبين رياضات عدة أكثر خطورة منه كسباق الدراجات النارية وسباق الزوارق النفاثة؟ في الدول المتقدمة تجد بطولات وسباقات من كل الانواع. ستجد بأن جمعية التزلج على الجليد تقيم بطولة العالم للتزلج على الجليد وتجد بان الشركات التي تنشط في صناعة معدات التزلج تتنافس في رعاية الحدث. ما المانع، إذن، من قيام اتحاد او جمعية محلية تنقل التفحيط من ممارسة تتم في الظلام ويقوم بها مجهول إلى ممارسة تتم في النور ويقوم بها بطل. تنظيم سباقات برعاية الاتحاد المقترح سيتيح محاصرة الظاهرة وسيجبر المفحطين على اتباع اجراءات السلامة الحامية لهم ولمتابعيهم، بعد الله، من الاخطار. اذ يمكن عبر المأسسة وضع قواعد صارمة تحرم من يفحط بالشوارع من المشاركة في مسابقات الاتحاد. اكاد اجزم بان مأسسة التفحيط ستجلب جمهورا من كافة انحاء العالم لمتابعته؛ فالاثارة التي يقدمها اعلى بكثير من سباقات الدراجات الهوائية ومن الراليات وغيرها. المأسسة تعني، باختصار، وضع الانظمة والاشتراطات وتعني كذلك تدفق الاموال عبر عقود الاعلانات والرعاية والنقل الاعلامي وتعني ايضا خلق فرص عمل وانشطة اقتصادية جديدة. العلاج بالمنع قد يكون الحل الاسهل لكنه بالتأكيد ليس دائما الحل الامثل لعلاج كل ظاهرة..