لا يمكننا أبداً فهم موت شاب أو أكثر كل يوم على طرقاتنا، ليس بسبب حادث مروري، وإنما موت مجاني، نتيجة حالة الفراغ الرهيب التي يغرق فيها الكثير من شبابنا اليوم، فظاهرة "التفحيط" المنتشرة بشكل ملحوظ حاملة معها لا مبالاة عجيبة بأرواح الشباب، الذين يمثلون أمل المستقبل بالنسبة لأي شعب من الشعوب، والواقع أنّ من يتابع ما يجري في بعض شوارعنا، ولا سيما شوارع تم تخصيصها لذلك مثل "المليون، والبركسان، والباصات، والسريع، والبحري، والأصفر، والبراميل" وحتى شوارع الأحياء المأهولة؛ لم تسلم من الأذى والإزعاج، وغيرها من الشوارع التي حولها مع الأسف بعض الشباب الى ساحات للعبثية والموت الرخيص في كثير من الأحيان، مبددين طاقة كان من الأجدى استثمارها في ما يفيدهم ويفيد وطنهم وأمتهم، لأنّ الشباب ثروة المستقبل! هواية أم طيش وقد تجد مع الأسف من يحاول تبرير هذه الأعمال باعتبارها هواية رياضية، وطيش شباب وشجاعة ومهارة عالية وقدرة تحمل، وقد يكون في ذلك بعض من الحقيقة، لكن أحداً لا يمكنه القول بأنّ الرياضات الخطرة، يعني تركها على الغارب بدون ضوابط أو قواعد محددة، تمنع وقوع الكواراث أو على الأقل تحد قدر الإمكان من حدوثها، ولنأخذ مثلاً رياضة التزلج على الجليد، أو صعود الجبال والرالي أو ما شابه، كلها وجدت في العالم المتحضر من يهتم بها ويضع لها قواد الأمان، وضوابط وأنظمة وقوانين قدر الإمكان، ولم تترك هكذا سدى، لتتحول هذه الرياضات الى مجرد احتفالات موت جماعي بالمجان على الطرقات، والحقيقة التي لابد من التوقف عندها ونحن نناقش مشكلة التفحيط، وهي أن مناقشة هذه المشكلة يتطلب البحث عن الأسباب والدوافع التي تقود هذا الشاب أو ذاك لدفع حياته ثمنا لهواية مجنونة وتظهر أعمال الشباب الفتيه هدراً. قوانين وعقوبات ومع أنه تم تحديد قوانين وعقوبات خاصة للأشخاص المفحطين الذين يتم الإمساك بهم، هذه القوانين لها دور فعال في الحد من الظاهرة وانتشارها، فقد تم وضع ثلاث عقوبات للأشخاص الذين يتم القبض عليهم بتهمة التفحيط، ففي المرة الأولى التي يقبض فيها على المفحط يتم توقيفه خمسة أيام و900 ريال غرامة وكذلك حجز المركبة لمدة شهر كامل، إلا أنّ هذه العقوبات لم تلغ الظاهرة ولم تكن رادعاً حاسماً، وهنا من المهم الإشارة أيضاً إلى دور التربية في هذا المجال، ودور الأسرة وهو الأهم والأنجع وهوضرورة توعية هذا الجيل الشاب للمخاطر التي تحملها هذه الأعمال، وأثرها عليهم أولاً وعلى المجتمع الذي ينتمون إليه أيضاً. أسماء مستعارة "الرياض" تواصلت مع بعض الشباب "المفحط" فأضافوا لنا معلومات مهمة وخطيرة وغائبة عن الأذهان، فيشير "الصقر" إلى أنّ التفحيط عدة أقسام (السباق، التفحيط، البهلوان، التطعيس)، قائلاً: "أنا اقود سيارتي بسرعة 180 كم في الساعة وأجلس في المرتبة الخلفية أو بجانب كرسي السائق وأترك سيارتي تسير بهذة السرعة لوحدها في الطريق السريع، وأحاول أشد الأنتباه والانتباه، وهذه مهارتي وبراعتي بهذا الأسلوب"، مضيفاً أنّ كثير من الشباب يستأجر السيارة ويفحط عليها، وهؤلاء الشباب الذين يفحطون لهم أسماء مستعارة وأرقام جوالات تتغير دائما، والنصيحة بعدم شراء السيارات المستأجرة التي تستخدم في التفحيط لأننا تركناها خرابا يباباً. «يا شباب اعقلوا.. يكفي استهبال».. ارحموا ضحاياكم ومعاناة أسركم الجيب أبوشنب ويقول "صفق الهواء": "ألم تتذكر أنّ آباءك وأجدادك كانوا يمتكون صهوات الخيول في البادية في سباق يسمى طراد الخيل، ويستعرضون مهاراتهم وفروسيتهم أمام بنات البادية ونحن أمتداد لهم نمارس نفس الطريقة والأسلوب، ولكن ليس بالخيول العربية الأصيلة بل لدينا (الجيب أبوشنب) والكامري وسوناتا ومكسيما وإلتيما، وغيرها من السيارات الفارهة السريعة التي تفي بالغرض المطلوب وتتجاوز سرعتها الميتين وزيادة". نريد نادي خاص وقال "الشهاب": "أهلنا يتهموننا بالجبن والعفن ونريد أن نثبت لهم أننا أبطال من خلال ممارستنا لهذه الهواية والرياضة، فنحن ليس لدينا نادٍ يحتضننا أو مكان يشجعنا من خلاله إلا أن نستأجر سيارات ونرفه وننفس عن أنفسنا بهذه الطريقة، ونحن لسنا قلة، فعددنا يتجاوز 2000 في المملكة ونحن مجموعات، ولنا مسؤولون وأسماء مستعارة ومواقع إلكترونية خاصة بنا". مجتمع لا يرحم وينضم معهم بالحديث "كاتم الصوت" الذي لم يكتم سره، فيقول: "نحن في مجتمع لا يرحم، ومؤسسات لا تأبه بمسؤولياتها، فنحن شباب ولدينا طاقات، فأهلنا لا يعلمون كيف نخرج وإلى أين ومتى، وكيف نحصل على السيارات، فقط يريدوننا أن نأتي بالراتب أو نأتيهم على نعوش، أما ممارساتنا وحياتنا اليومية كيف نأكل ونخرج ومع من نجلس فهذا كله يحدث في غياب تام عن رقابة الأهل، فنحن بشر لدينا مشاعر وأحاسيس ولدينا قوة وطاقات ولا نستطيع احتمال أنفسنا إلا بهذه الطريقة، صحيح أنه يوجد معنا مترفون ولكن لهم طرقهم الخاصة". «الرياض» تحاور أشهر المفحطين: «صفق الهواء» و«الشهاب» و«كاتم الصوت» و«جراند بركس» و«ترانز أم» و«السهم الخارق» كل شيء للعوائل ويتحدث "جراند بركس" عن تجربته، ويقول: "إذا كل شيء للعوائل وليس لدينا أندية ومراكز تستوعب مواهبنا وطاقتنا، فأين نذهب؟، ويشاطره "فايربيرد" نفس الحديث عن الفكرة، قائلاً: "نعم نحن نفرغ طاقاتنا بهذة الطريقة وهي الأسلم والأصح في عصر التسكع والحرمان من كل شيء، فالأماكن والأسواق مخصصة للعوائل ونحن شباب عزاب ولدينا مخزون من الحماس والطاقة وهذه أفضل طريقة نلوذ بها للترفيه عن أنفسنا وتفريغ طاقاتنا وهي طريقة (التفحيط والدوران والتطعيس)". خسرنا الكثير وأوضح المفحط "ترانز أم" بأنّهم مجموعة شباب يتجاوز عددهم المئات ويدخلون الميدان من عمر 18- 28 أو أكثر؛ لأنّ إيجار السيارة يستلزم حصول الرخصة، والرخصة لاتمنح إلا لعمر 18 عاماً، مضيفاً: لقد خسرنا الكثير من زملائنا الشباب فمنهم من رحل بسبب انفعاله الزائد والمهارة العالية وبعضهم من جلس على كرسي متحرك، ضريبة لهذه الهواية، والرياضة تحتاج إلى من يرعاها ويحتويها في نادي أو أكثر؛ لأنّ الأعداد تتزايد كل يوم. نهاية مأساوية لمفحط يتم «قص حديد» باب السيارة لاستخراج جثته هاي هاي ويشاركه الفكرة زميله المفحط "السهم الخارق"، مؤكداً على أنّ التفحيط أنواع والمفحطين فئات، فمنهم من يجيد السباق ومنهم من يبرع بالتفحيط والدوران ومنهم ماهو متخصص بالتطعيس، قائلاً: "ونحن شباب سعوديون (نطبق السعودة بحذافيرها) ممنوع أحد يدخل معنا إلا سعودي، ومعنا فئة (هاي هاي) من الطبقات عوائل غنية، ومنا من دفعته البطالة لينظم إلى مجموعاتنا المخصصة للشباب للسعوديين فقط". طريق خاطىء وهنا توجهنا إلى والد أحد المفحطين، قائلاً: "نعم ولدي شاطر وبارع ويتفنن بالتفحيط، ومن الماهرين بهذا التخصص، وكان يدرس بالخارج على حسابي الخاص وقد فشل بدراسته واستدرج الى (جوقة) المفحطين وأصبح من الماهرين، وحين اكتشفتُ أمره وضغطت عليه أكثر من اللازم، هددنا بأنه سوف يتخذ مسار آخر في حياته يجلب لنا العار، وهنا تراجعت عن وعيدي وتهديدي وضغطي عليه، وفضلت التفحيط على ماكان يرغب، لأن بالتفحيط مضرة على نفسه والشارع، أما إذا سلك منهجه الأعمى فسوف يضر الوطن والمجتمع، ففضلت أهون الأمرين". لفت الانتباه واتفق الجميع على أنّ هذه الممارسات هواية؛ هدفها لفت الانتباه وإثبات قدراتهم أمام أنفسهم وأقرانهم، وكانوا حذرين من اكتشاف أمرهم، وفضولاً منهم بنشر قدراتهم ومهاراتهم بشكل ملفت للانتباه ولكن بدون أيضاح التفاصيل عن حياتهم الخاصة، مؤكدين أنهم يحملون أسماء مستعارة وأرقام جوالات تتغير كل أسبوع، والبعض منهم له علاقات سلوكية منحرفة مع بعضهم البعض حسب قولهم الذي تفاجئنا به.