ياللفاجعة، فقدت بلادنا السعودية قطباً بارزاً من أولي الأمر فيها. انتقل ولي عهد مملكتنا الأمير نايف بن عبدالعزيز إلى بارئه بعد أن كانت آخر لقطة فوتوغرافية له وبين يديه القرآن يتلوه كعادته، كما كان يحلو له في كل مناسبة طيلة حياته أن يستشهد بآيات من آياته. الموت حق وفرض علينا، لكن نفوسنا المحبة لذلك الرجل العظيم أحاط بها حزن شامل وألم غامر، كيف لا وهو الذي كان يسهر الليالي متابعاً أحوال أمن بلادنا وسلامة مواطنيه. عرفتك يا سيدي - رحمك الله - حق المعرفة ؛ فعرفت حكمتك التي قلَّ أن تضاهى. أتحتَ لي ولغيري أن نلقاك ونحدثك ونبدي وجهة نظر مخالفة حول بعض الأمور، وتستمع إلينا بإنصات ، ونخرج من الاجتماع بك مدركين لما رميت إليه ، مقتنعين بما لم نكن على قناعة به قبل لقائك أناجيك يا سيدي - وأنت بين يدي ربك الكريم - وأقول طبت وطاب منهجك وأداؤك،فلقد كنت - رحمك الله - من أشد الناس حباً لأبناء وطنك ، وولاء لمليكك ، حريصاً على درء كل شر وبلاء قد يقع في وطنك. تدرك كثيراً من الأمور وما وراءها والتي غالباً ما تكون قد خفيت على الآخرين. أذكر أول يوم شرفت فيه بلقائك - وكنت وقتها مديراً عاماً لمكتب التربية العربي لدول الخليج - حين نشرت جريدة الجزيرة حديثاً لسموك الكريم مع رئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية التي نشرت الحديث في اليوم نفسه. ووجدت فيها تعبيراً أدركت أن فيه تحريفاً غير مقصود، فاتصلت بمدير مكتب سموك طالباً موعداً عاجلاً فتحقق لي ذلك. وبعد أن عرفتك بنفسي، وما أشكل علي من أن تلك العبارة قد لا تكون ضمن حديثك لرئيس تحرير الجريدة. اتفقتَ معي وشكرتني على ما اعتبرته مبادرة جيدة مني، وخرجت الصحيفة في اليوم التالي فيها صحيح قولك. بعد هذا توطدت العلاقة التي شرفتني بها، ووصلت أن وصفتني بالصديق. وحين كنت رئيساً للجنة العليا للإعلام عرضت على مقامك الكريم شكوى التربويين من أن الإعلام بكل وسائله لا يتواءم مع ما يتعلمه الطلاب في المؤسسات التعليمية، واقترحت على سموك الكريم أن نقيم مؤتمراً ترعاه - رحمك الله - بعنوان (ماذا يريد التربويون من الإعلاميين) ويشارك فيه رجال التربية والثقافة والإعلام من دول الخليج العربي فأيدتَ ذلك وباركته. وكان مؤتمراً ناجحاً بكل المقاييس ، بفضل رعايتك والتسهيلات التي هيأتها لذلك اللقاء الحيوي المهم. وقد طبعت وقائع هذا المؤتمر في ثلاثة مجلدات ، وأعيدت طباعتها لأهميتها أربع مرات، ولا يزال كثير من الكتاب والباحثين يقتبسون من أوراق عمل ذلك المؤتمر ويذكرون توصياته. وقد طاب لسموك عبارتي في كلمتي التي ألقيتها أمام سموك الكريم (نريد أن نتلافى أن ينقض الإعلاميون في المساء ما يفتله التربويون في الصباح). عرفتك يا سيدي - رحمك الله - حق المعرفة ؛ فعرفت حكمتك التي قلَّ أن تضاهى. أتحتَ لي ولغيري أن نلقاك ونحدثك ونبدي وجهة نظر مخالفة حول بعض الأمور، وتستمع إلينا بإنصات ، ونخرج من الاجتماع بك مدركين لما رميت إليه ، مقتنعين بما لم نكن على قناعة به قبل لقائك. وفي بعض الأحيان ترى وجاهة ما رأيناه وتتبناه. كنت أول مسؤول كبير شرّف لقاءً بممثلين لطلاب من التعليم العام من مدارس منطقة مكةالمكرمة تجاوز عددهم خمسمائة طالب، أصغيت إلى تعليقاتهم واستيضاحاتهم، وقضيت معهم وقتاً طويلاً بكل ارتياح بقلب مفتوح، وشجعتني على أن أكرر التجربة، وقلت عبارتك التي طبعناها في صدورنا بالإضافة إلى كتبنا (إني سعيد بلقاء الأبناء، وبتلقائيات استفساراتهم، وهم عندي فيما يطرحون أكثر عمقاً مما يطرحه كثير من الإعلاميين) شرفت بصحبتك في أكثر من مناسبة خارج الرياض، فوجدت الأريحية والسماحة ، وروح الدعابة ، حرصاً منك على أن تضفي على الاجتماع البهجة والسعادة والأنس. وفي أمسية شعرية على شرفك بهرت صحبك بشاعريتك وقدراتك النقدية. رحمك الله يا صاحب القلب الرحيم ، وأسكنك فسيح جناته ، وإني اليوم إذ أبكيك وفي أقسى ما عرفت من مشاعر الأسى والحزن أرثيك فإني وأبناء وطنك سيبقى ذكرك وجميل صنعك، وما قدمته لبلادك محفوراً في أذهاننا. خصالك الجميلة عديدة وافرة، ومدرستك في الحياة ستكون المدرسة التي يُتبع أسلوبها من بعدك. حمى الله بلادنا من كل مكروه، وأدام علينا نعمة الأمن والإيمان والوفاق، والعزاء لقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين وللأسرة المالكة، ولأبناء الفقيد، ولبلادنا وأهلها الصادقين المخلصين، و(إنا لله وإنا إليه راجعون) . وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب ، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة ، وأمدّنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد..