لقد ترجل الفارس، ترجل سلطان الخير، ترجل أبو خالد الذي أشرقت شمسه على العديد من بلدان هذا الكون، رحل رجل المحبة، رجل الوفاء، رجل العطاء، رجل الكرم، رجل التقى، غادرنا فقيدنا الأمير سلطان ولكنه سيبقى حياً في قلوبنا لأنه كان راغباً وقادراً على حب الناس وحب الآخر، وما عرفناه الا محبا لأخيه الإنسان، ولذلك لا نستغرب إذا اطلق عليه القريب والبعيد على مستوى العالم بأنه موئل للإنسانية، والدنا وولي عهدنا وأميرنا الغالي وهب نفسه للدين والوطن والمواطن، كان فارساً شجاعاً في خدمة هذه العناصر الثلاثة في ليله ونهاره، ابوابه مفتوحة للجميع على مدار الساعة وهو مستنفرعلى مدار الساعة، وقته لم يكن ملكا له نظراً للنشاطات العديدة التي كان يشرف عليها، فهو وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء والمفتش العام، تولى رئاسة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وهو رئيس أعلى للخزن الاستراتيجي وهي فكرته، إضافة إلى ذلك فقد ترأس العشرات من اللجان المنتشرة داخل الوطن، تسلم ملف اليمن وأنهاه بالوجه الأمثل، طور وزارة الدفاع وأشرف على برنامج التطوير والتحديث، وفي مسعاه الدائم المخلص للحفاظ على الوطن، جاء بفكرة درع الجزيرة ونفذها، وقد شهد لسموه العالم بأجمعه بأنه قائد محنك برتبة انسان، ولم يهمل حاجة الوطن والمواطن الاجتماعية والصحية، حيث أقام مؤسسة سلطان الخيرية التي تمتد فروعها لتحتضن الفقراء والمعوزين، وتتكفل بتأمين ما يشعرهم بحياة كريمة، فشملت اليتامى والارامل والمساكين والمعوقين، وفي الوقت نفسه أقام مدينة سلطان الطبية مركزا للمعوقين التي تستقبل المرضى من جميع أنحاء العالم وتتكفلهم حتى الشفاء الكامل. إن سموه صاحب القرارات الحكيمة الاستراتيجية التي تغطي الجوانب المختلفة لحاجات الوطن والمواطن، وخاصة جيل الشباب، اذ إن سموه وضع برنامجاً سخياً لبعثات الشباب، وعلى المستوى الدولي والإقليمي، فإن بصماته الخيرة موجودة في كل بقاع الأرض، إذ إن مساعداته لضحايا الكوارث كانت تصل إلى الاماكن المنكوبة بغض النظر عن العرق والدين والجنس، ولم يكن نصيب الشعب الفلسطيني غائباً عن رعاية سموه المستمرة، وأما ذوو الحاجات الخاصة وعلى المستوى العربي والإسلامي بل والدولي، فقد كان لهم السند والمعين لتخفيف آلامهم وعلاجهم حتى الشفاء حتى ولو دام ذلك العلاج عدة سنوات، وفي كثير من الحالات التي تحتاج إلى علاج في الخارج تجد ان سموه كان يأمر بإرسال المرضى إلى المستشفيات الغربية على نفقته الخاصة. لقد كان سموه غيوراً على وطنه ودينه وشعبه بل وعلى المسلمين في جميع أنحاء الأرض، ومن مآثره أن سموه كان ابا المعروف والخير، وإذا كان الله قد وصف المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس فإن شعبه يقول: إن سموه خير الرجال مستنداً في ذلك إلى معطيات مكارمه الماثلة للعيان. لقد تمتع سموه بوضوح الرؤية وعمق التفكير والقدرة على استشراف المستقبل، إنه رجل في أمة وأمة في رجل، ذو قامة محبوبة قلما تضاهيها في عطائها قامة اخرى، وأما شخصيته فهي فريدة في تنوعها السياسي والاجتماعي والوجداني والعسكري والوطني وعلى رأسها تلك الخصلة الانسانية التي يحق لنا أن نفخر ونعتز بها، كان سموه أباً لتجربة متميزة في الوطن، حيث وضع منهجية للتطوير في كافة المجالات وفي طليعتها تطوير منهجية العمل الخيري الذي أعطاه أولوية في حياته، لقد كان سموه استراتيجيا مبدعا بكل معنى الكلمة، لكل عمل عنده صورة تتجاوز الرؤية المحددة، رؤية ناجمة عن عمق فكري بعيد خلاق، وهكذا فإن فقيدنا هو فقيد الأمة - نعم رحل عنا حبيبنا وأفل نجم سهيل، ولكنه قبل وداعه وضع بصماته الخيرة لدى كل من طلب اسم سلطان الخير، رحل ولكن خيره وحبه باق في قلوبنا وسيبقى ما حيينا، لقد قدم الصفحات البيضاء لكل من عرفه محلياً وإقليمياً ودولياً، ولذلك فإن أمتنا من شرقها إلى غربها تكن له الشكر وعرفان الجميل، قائدنا سلطان الخير، اسم أعطاه الشعب لحبيبه، وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية المحلية والاقليمية والدولية كلها أشادت واستشهدت بإنجازاته التي قدمها خدمة لبلده وأمته ودينه وعلى رأسها خدمته للإنسانية من العادة أن يسجل التاريخ سيرة عظماء الرجال عن بعد، وأما بالنسبة لولي عهدنا فقد أتى إليه التاريخ ومثل بين يديه ليسجل مكارمه ومآثره ومناقبه وعطاءاته التي عم خيرها على اركان الارض القريبة والبعيدة، وأضاءت شمسها الزوايا المظلمة في كنه الانسانية، لقد تمكن سموه من أن ينقل بسمته المستمرة الحلوة الى وجوه الآخرين إلى محيا أفراد شعبه والوجوه الأخرى، القريبة والبعيدة، لقد تميزت شخصية والدنا عن أقرانها بأنها كانت شخصية متواضعة ديناميكية، بسيطةكل البساطة، كريمة تفوق بكرمها كرم حاتم الطائي، عظيمة عظمة الإسكندر المقدوني، كان سموه متعدد المهمات داخلياً وخارجياً، وقد وصفه العارفون بأنه رجل المهمات الصعبة، لم يضع يده على ملف خلافات محلية أو دولية الاوأغلق ذلك الملف بنجاح مقرون بالشكر من كافة الاطراف ذات العلاقة، لقد ظهرت محبة سيدنا في ذلك الاستقبال الرائع البديع الفريد الذي رأيناه - في المطار، استقبال حضره حشد هائل من أبناء الوطن والمحبين وكلهم كانت قلوبهم وألسنتهم تقول سنتذكرك يا سلطاننا بالكثير الكثير من الحب، يا من جابهت الحياة بابتامتك الجميلة وزرعت في نفوسنا الأمل والتفاؤل، نعم الحزن كبير والمصاب كبير والألم كبير والخسارة كبيرة، حزن سرمدي وليل مسهد إلى أن يختار الله لنا داراً عنده، ولكن عزاءنا في أن التاريخ سيذكر فقيدنا الغالي على صفحات العز والمجد - ستبقى ذكراه في ذاكرة الوطن يتناقلها جيلاً بعد جيل، لأنها إرث أخلاقي ووطني وخيري، منظومة اميرنا المحبوب الفكرية والخيرية والانسانية تروي قصة أمير أحب شعبه وأكرمه وعامله معاملة الأب الحنون، إرث عالمي وإنساني وعلمي، ذلك الإرث المشرق الذي نقرأ في صفحاته البيضاء عظمة الخدمات الجليلة والمواقف المشهودة لسموه التي تصب كلها في إسعاد الفقراء والمحتاجين ورفع المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي للوطن والمواطن نقرأ في صفحات سموه، أنه كان حازماً وقت الحزم ورفيقاً وقت الرفق - توازن فريد من نوعه - يصلح لأن يكون مدرسة للأجيال القادمة - لقد لعب الفقيد دوراً حاسماً ومهماً في إعلاء اسم المملكة في جميع دول العالم واستطاع أن يرسخ احترام وتقدير تلك الدول للمملكة العربية السعودية. لقد ذكر أن المرحوم والده جلالة الملك عبدالعزيزكان يعطي لإخوته ريالاً ويعطيه ريالين، وعندما يسأل عن سبب ذلك كان يقول: لأني أعرف بأنه سيوزع الريال الثاني على الآخرين - هذا هو خير في صغره وقد استمر في ذلك الخير طوال حياته، لأن حب الخير جرى في دمه وأصبح جزءاً من كيانه وكينونته. ولقد ذكر ان سيدة طلبت سمو الأمير سلطان- رحمه الله- بالتلفون وحاول السنترال ان يعتذر بحجة ان الوقت متأخر ولكنها اصرت على التحدث لسموه، وعندها حول الخط للأمير فقالت له ان طلبي عسر، فأنا لا املك بيتاً، فأمر لها بشراء بيت وعلق رجل على ذلك قائلاً لا عسر على سلطان. ومن الأمور الحميدة التي تسجل لحبيبنا سلطان الخير، أنه كان ذا حنكة نادرة وخلق حميد وسيرة ذاتية كريمة، حليماً وقوراً جريئاً في الحق لا يهاب أحداً في حق من حقوق الله ولو كان ذلك الانسان أقرب المقربين إليه، وكان من أهل العقل والفضل، متواضعاً، عظيماً، وهو ذو حظ وافر في محبة الناس وهو فقيه سياسي، برز في عالم السياسة، تعامل مع الناس كأب عطوف وليس كولي عهد أو ولي أمر، لم ينتظر الآخرين حتى يطلبوا منه حاجاتهم، بل كان يبادر بحدسه ويقدم الخدمة، لأنه بينه وبين حب الخير عهد ووعد دائم، قراراته تتسم بالتأني والتمحيص بعد المشاورة، مستمع جيد - يستمع إلى جميع الآراء، ومن ثم يقرر. كان سموه- رحمه الله-، يبحث عن أبواب الخير ويتابعها حتى ينجزها، لقد أحب قائدنا مواطنيه وبادله المواطنون المحبة المطلقة - كم نتمنى أن تعلم يا سيدي مدى الحب الذي نكنه لسموك في قلوبنا، لقد أحببناك بكل جوانحنا وأرواحنا، لأنك كنت شريكنا في أفراحنا وأتراحنا، في السراء والضراء، ولأنك كنت خير معين للأرامل واليتامى والأطفال، وكأننا أمام شخصية هي شخصية عمر بن عبدالعزيز - لقد ذهبت يا سيدي دون وداع، ولكننا نودعك عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع، وأرجو الله ان تذهب للقاء ربك مبتسماً كما كنت تستقبل مواطنيك بالابتسامة الجميلة، وأن عزاءنا الوحيد هو بولي عهدنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف الذي درس وتخرج من مدرستك يا حبيبنا الغالي الذي سيكمل مشوارك. كنت يا سيدي علماً يشار إليه، وغرضاً يقصد نحوه في حياتك، وستبقى هكذا مدرسة ننهل منها ما يؤمن حاجاتنا الوطنية والاجتماعية، الحمد لله رحلت يا سيدي بزاد من البر والصدقة والعطاء، ولقد أحسن سيدي خادم الحرمين الشريفين صنعاً باختياره سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف ولياً للعهد، ولا يسعنا الا أن نقدم العزاء للأسرة المالكة وجميع المواطنين برحيل أمير الشعب، وإننا نسأل الله العلي القدير بكتابه المنزل وباسمه الأكبر وبأسمائه الحسنى ما علمنا إياها وما احتفظ بها في علمه الغيب عنده أن يسكن حبيبنا سلطان فردوسه الأعلى اللهم آمين.