لو سألت من عاشوا في ثمانينات القرن الماضي عن أهم الأعمال التلفزيونية السعودية في تلك الفترة فسيجيبك بلا تردد بأنه برنامج "من كل بستان زهرة". كان برنامجاً درامياً عبارة عن لوحات تمثيلية ساخرة شارك في تقديمها كل من بكر الشدي رحمه الله وصالح الزير وناصر القصبي وعبدالله السدحان، ويمكن اعتبار هذا العمل نقلة نوعية في الدراما السعودية حيث كان النواة أو الرحم الذي صقل موهبة مجموعة من الممثلين الشباب الذين أصبحوا فيما بعد نجوماً مؤثرين في المشهد الدرامي السعودي. الفنان السعودي صالح الزير أحد نجوم ذلك البرنامج ومن أهم الأسماء في تاريخ الدراما السعودية سيحكي لنا الآن جوانب من ظروف إنتاج "من كل بستان زهرة" وسيكشف معلومات مهمة تتعلق بتلك الفترة التأسيسية من عمر الدراما السعودية.. فإلى الحوار: * بداية أستاذ صالح حدثنا عن ظروف إنتاج البرنامج.. من صاحب الفكرة؟. وأين كان يصور؟ في منتصف الثمانينيات تلقيت أنا ومجموعة الممثلين الشباب اتصالاً من المخرج محمد الشقاوي وقال لنا إن لديه برنامجاً اسمه "من كل بستان زهرة" ويبث على التلفزيون السعودي ويرغب بأن يكون فيه مشاهد درامية وكان حينها برنامجاً جديداً لم يبث منه إلا حلقة أو حلقتين, فوافقنا على الفور وقدمنا تلك المشاهد وكانت سبب شهرة البرنامج. أما التصوير فكان داخل مبنى التلفزيون في الأستوديوهات الجديدة التي كنا أول من استثمرها. وكانت أمور الإنتاج تسير بسلاسة تامة دون تعقيد من المسئولين وبالعكس كان الجميع يدعمنا ويشجعنا.. ليس كما هو الواقع الآن حيث يعاني الفنانون من البيروقراطية. * وكيف كنتم تنفذون هذه المشاهد؟ كنا نجتمع أنا وناصر القصبي وعبدالله السدحان والمرحوم بكر الشدي ومعنا مجموعة مساعدة كانوا خلف الكواليس ويقدمون لنا الأفكار والقفشات وكنا نجتمع في بيتي أحياناً وفي بيت ناصر القصبي وبيت عبدالله السدحان وبيت سليمان الجاسر أحياناً أخرى. وكنا نجتمع مرتين أسبوعياً ومعنا أيضاً ماجد الماجد، وفي الاجتماع الواحد كنا نكتب عدة أفكار واستكشات وكان هناك من يكتب الأغاني وهناك من يلحنها. كنا فعلياً ورشة عمل فنية نؤلف وننفذ المشاهد بأغانيها كاملة في نفس اللحظة وبعفوية تامة. وفي التمثيل كنا نحرص على عدم التقيد بنص وأن نكون عفويين دون تخطي الخطوط العامة المرسومة. * طيب ماذا عن المقابل المادي؟ بصراحة لم يكن العائد المادي يشغلنا.. كنا حريصون على أن نقدم شيئاً جميلاً وممتعاً وأن نظهر بشكل مختلف ونقدم شكلاً جديداً للدراما السعودية لأن المجتمع كان يعاني من التقليدية والملل من الأعمال التي كانت تقدم في تلك الفترة. كان العائد المعنوي يهمنا أكثر من أي شيء آخر. * كيف وجدتم صدى الحلقات الأولى من البرنامج؟. كانت ردود الفعل غير متوقعة وكانت أكبر بكثير من تصورنا، وشعرنا أنها بداية انطلاق نجوميتنا كفريق، لدرجة أن المبتعثين كانوا يطلبون من أهاليهم أن يرسلوا لهم شرائط مسجلة للحلقات التي كنا نقدمها. * كم مشهد درامي كنتم تقدمون في الحلقة الواحدة؟ وكم كانت مدة الحلقة؟. كنا نقدم ثلاثة مشاهد أو "اسكتشات" في الحلقة الواحدة.. أما مدة الحلقة فكانت 45 دقيقة، وكان المخرج يعطينا فيها كامل الحرية في تنفيذ ما نريد لدرجة أنه يقول أنتم قوموا بالإخراج ولكن أخبرونا كيف ستكون حركتكم داخل الأستوديو كي أستطيع توزيع الكاميرات للتصوير. * الملاحظ أنكم كنت تتناولون أفكاراً اجتماعية تعتبر جريئة في ذلك الوقت؟. نعم.. فقد كان لدينا ولدى المسئولين في التلفزيون رغبة في تقديم شيء مختلف يجذب الجمهور لكن دون أن يتجاوز الخطوط الاجتماعية المعتبرة بحيث ينفرهم منا. كنا نخاف من الجمهور بشكل كبير ونخشى ردة فعله. وبحمدالله أننا وفقنا في تقديم مشاهد مميزة كانت سبباً رئيسياً في تغيير أسلوب الإنتاج الدرامي الكوميدي السعودي أواخر الثمانينيات حيث جاءت بعده موجة الأعمال الكوميدية الخفيفة التي تعتمد على الاستكشات القصيرة. ناصر القصبي عبدالله السدحان في البدايات بكر الشدي رحمه الله أحد مشاهد «من كل بستان زهرة»