العناوين الكاثرة يمكن أن نضعها لآلاف من صفحات الكتابة ورقية وضوئية، وتخطيطات كتاب وارد، عن الوردة "أميرة الغناء العربي" (1939-2012). لقب صنعته الصحافة بعد فيلمها الثاني "أميرة العرب" (1963). كأن نقول "الأميرة والمنفى"، "الأميرة والنضال"، "الأميرة والعسكر"، "الأميرة والحب"، "الأميرة والأيام"، "الأميرة والغربة"، الأميرة والوطن". إنها هي فصول سيرة الوردة الكبيرة. نامت الوردة النوم الطويل. تجمد الزمن غدت الذاكرة محملة بالعبير الفواح والربيع المنتظر. فصول الوردة لم تكن ربيعاً، فهي أكملت دورات فصول السنة جزءاً من قدرية السيرة وارتياد المستحيل. نازلت كل فصولها واضعة في كل منها بصمة الصوت والروح. يؤرخ الجزء الوافر من الغناء العربي، وغناء كثير من الشعوب، في الشعر والرقص، عدا ما تواترته المعابد في طقوس الصلاة والاحتفال، في مواسم المناسبات عند الحقول ورمال البراري وسيوف البحار، لكن تبدى الغناء العربي عبر تسجيلاته في مطلع القرن العشرين منذ عام 1905. اللحظة سجلت لشيخ يقتعد الخلود. يوسف المنيلاوي الواسم أسطواناته ب "سمع الملوك". حفظت فنون السمر متواترة عن عصورها العربية من خليجها "فن الصوت" إلى محيطها "النوبة الأندلسية"، عابرة طريق المقام العراقي، والقد الحلبي، والمجس الحجازي، والدان اليماني، والدور المصري، ودارت في عصور"طرب السلطنة". إنها عصور "القيان والعالمة والشيخة والملاية" صف طويل تحوّل طويلاً من دور طقوسي يعدِّهن سليلات "بنات طارق"، وطائفات"ذي الخلصة" إلى مستوى المهنة والاحتراف في عصر "المطربة والمرتلة"، ولا ينقص ذا وذاك الدور الحضاري صانع الذاكرة قدْر الذوق قدْر المزاج. بدت لحظة النصف الأول من القرن العشرين "تعميم السماع" بالاستحضار عبر الأسطوانة والإذاعة إذا عز حضور الحفلة في وصلاتها واستديوهاتها حتى لحظة"استبقاء المشهدية" المقطِّرة "لحظة الطرب" في أعتى ارتجالاتها وتمايز مزاجاتها. بدا عصر "سلطنة الطرب" متجسدا عن تحولات بلاط "اللهو والملاهي" نحو ساحات "الغناء والإنشاد"، فانشق صف حفيدات القيان في العوالم والشيخات بمبة العوادة وصديقة الملاية، وحفيدات "بنات طارق وذي الخلصة" في المطربات والسلطانات تجسّد الذِّكر في ألمظ ومنيرة المهدية. استكملت الوصلة في الأسطوانة والإذاعة تكثيف السماع مختصراً كل الحواس يتشهى النغم في الحرف والصوت والآلة والآهة وصدى الأكف والتطييب. يتحول الجسد إلى حنجرة أو الحنجرة تقول الجسد، كما تقول اليد الآلة، والآلة تقول الصوت وأظلاله.. في عصر السلطنة تلغى الحواس وتختصر في الأذن العاشقة تستدني الزخارف والحليات والعُرَب، تدويرات الصوت وانزلاقاته، ومنازله العالية ومواطئه الهاوية. الحنجرة شجرة، مدياتها الأغصان، وزخارفها التعريشات، العطاء صيد الوارفة.