الأستاذ عبدالله عبدالرحمن الهدلق. كفيف البصر ثاقب البصيرة. درّسنا مواد الدين ثلاث سنوات سمان في الثانوية. استمتعنا خلالها بمواد ليست في العادة مجال استمتاع. كان له فضل لاينسى في توجهي نحو قراءة أمهات الكتب في التفسير وعلوم القرآن والحديث بل تعدى ذلك إلى جعل لغتنا العربية لغة محببة إلينا ننهل من بحارها الشعرية ومروجها النثرية من دون كلل ولا ملل. كان رحمه الله موسوعياً بمعنى الكلمة. وكان يطبق الوسطية قولاً وعملاً. بالإضافة إلى ذلك كانت له بصيرة ثاقبة شواهدها تتكرر في قصص لا تنتهي نرويها كدليل على نباهته وشدة ذكائه ولاتزال مجال أحاديثنا إلى يومنا هذا كل ما حل له ذكر. تعدت علاقتنا به علاقة الأستاذ إلى علاقة أبوية حتى بعد أن تركنا الثانوية بسنوات. وكان يحل كثيراً من مشاكل الطلبة حتى لو استدعى ذلك زيارة ولي الأمر في الدوادمي أو في القرى المجاورة. استطاع أن يحصد حب الطلبة وأولياء أمورهم باستحقاق. يشاركنا الأنشطة برغم كونه كفيفاً، حريص على تشجيع طلبته ويُوقّت نصحه، ولا يبخل برأيه السديد. لم أسجل له سلبية واحدة خلال ثلاثة أعوام من دراستي. أذكر أنه كان يحضر مسرحياتنا في مسرح المدرسة - وكان المسرح آنذاك من أهم الأنشطة المدرسية- يربت على أكتافنا ويتحدث في تفاصيل الأداء وبالذات فيما له علاقة بالبيان. ميزته أيضا ذاكرة كمبيوترية لأدق التفاصيل، فلديه ملف ذهني كامل عن كل طالب من طلبته مهما تقادمت السنون. ملف يحتوي شخصية الطالب ونقاط قوته وضعفه. خرجنا في أول حجةٍ لي معه، وبرغم الحر الشديد وقسوة الحياة حينها إلا أنها كانت أكثر روحانية وفائدة من الحجة التي تبعتها بأعوام برغم تعاقب المشائخ والمحاضرين على المعسكر. لقد كان أمّة في رجل. رحم الله أبا عبدالرحمن وأسكنه فسيح جنانه.