بإمكان أي شاعر من الشعراء أن يُبدي وجهة نظر مُختلفة حول رؤيته لمسألة إصدار ديوان مطبوع وحول جدوى مثل هذه الخطوة في رفع أسهمه أو خفضها عند الجمهور، فالرأي الشائع لدى الأغلبية هو أن صدور الديوان فضلاً عن توثيقه لقصائد الشاعر، في مرحلة أو مراحل من مسيرته الشعرية، يُمثل شكلاً من أشكال التواصل مع المتلقي وجعله أقرب للشاعر وأكثر معرفة بمستوى إبداعه وجوانب التميز والتفوق في تجربته، وفي المقابل ثمة فئة من الشعراء لهم رؤية مختلفة في إصدار ديوان مطبوع وقد تبدو غريبة مع أنها تحمل الكثير من الصحة والوجاهة. فهناك شعراء مبدعون ولهم تجارب طويلة وثرية ويجتهد محبو الإبداع في البحث عن قصائدهم كل الاجتهاد ومع ذلك يرفضون فكرة إصدار ديوان يضم أشعارهم أو يكررون تأجيلها لأسباب لا علاقة لها بصعوبة عملية النشر والتوزيع، ولا ترتبط أبداً بمسألة الخوف من ضعف التلقي أو الفشل، لكنهم يضعون في الاعتبار إمكانية تلاشي حالة شغف الجمهور بجديد قصائدهم وتلهفهم لها، أو تحول هذه الحالة بعد أن يجد المتلقي معظم قصائد شاعره المفضل بين يديه إلى شعور فاتر وشبيه بمشاعر من يُتابع إعادة لمباراة كرة قدم يعرف نتيجتها مُسبقاً ..! وهذا الاحتمال السيئ وارد جداً ولا يمكن استبعاد حدوثه، وسبق أن صرّح به العديد من الشعراء بكل وضوح، وكذلك فقد أخبرني أحد الشعراء بأن السبب الذي يمنعه أو يجعله مُتردداً في إصدار جزء ثان من ديوانه -بالرغم من مرور سنوات طويلة على صدور الأول ونجاحه وبيع عشرات الآلاف من نُسخه- هو اعتقاده بأن كل ذلك النجاح كانت له ضريبة كبيرة وهي خفوت حالة الشغف والترقب التي كانت قصائده تُستقبل بها قبل صدور ديوانه، وكما هو معروف فكثير من الأشياء التي نُحبها أو نشتهيها ونسعى جاهدين لامتلاكها –كما هو الحال مع الشعر الجميل- تفقد قيمتها أو بعضاً من قيمتها بمجرد امتلاكنا لها، وقد عبّر الشاعر المبدع راشد النفيعي عن هذا المعنى فقال: أنت غاية عمر ما ودّي أدركها لا تلوم المشاعر في قساوتها كل الأشياء حلوه لين نملكها بعدها تفقد الأشياء حلاوتها!