عندما كنت أعمل في وزارة الزراعة في ستينيات القرن الماضي، طرح بعض المسؤولين في الوزارة استغلال المياه الجوفية في منطقة حرض، وإنشاء مزرعة لتربية الأبقار، وكان هناك فريق من الخبراء الأميركيين اختيروا من قبل منظمة الزراعة التابعة للأمم المتحدة، وقالوا لنا إن المياه الجوفية العميقة في هذه المنطقة وغيرها من مناطق المملكة تكونت عبر عصور قديمة وإنها لا تتجدد، ويجب ألا نبددها في الزراعة وندخرها لمياه الشرب، ولكن المسؤولين لم يستمعوا لكلامهم وحفروا 300 بئر وأقيم في المنطقة مشروع تربية الأبقار المعروف الآن باسم نادك، وهو مازال موجودا يستنزف ما بقي من المياه لزراعة الأعلاف التي لا تستغني عنها الحيوانات المجترة وخاصة البقر، ثم توالى إنشاء مزارع إنتاج الألبان كالمراعي والصافي، ثم جاء من اقترح مشروعا للتوسع في زراعة القمح والاكتفاء الذاتي منه، فانتشرت مزارع القمح كالفطر، وشجع الوزارة على التوسع فيها تصريح عميد جامعة البترول والمعادن في ذلك الوقت بكر عبدالله بكر بأن المياه الجوفية في المملكة تعادل مياه النيل 500 مرة، ورغم أن المذكور لم يدعم كلامه بأبحاث علمية، إلا أننا صدقناه، ومضينا في التوسع في زراعة القمح والأعلاف، ثم جاء وقت أفقنا فيه وأدركنا أننا أهدرنا المياه إلى الدرجة التي صرح فيها وزير المياه أن القطاع الزراعي في حائل وحدها استهلك خلال الستة أعوام الماضية ما مقداره 14 مليار متر مكعب، وأن هذا الرقم يعادل استهلاك المنطقة والمواطنين من مياه الشرب في أربع مئة سنة، وإذا كنا قد بدأنا في تقليص المساحات المزروعة قمحا إلا أن هناك مشكلة الأعلاف التي لم تجد الوزارة لها حلا، رغم أنني اقترحت في مقال نشر في صحيفة الرياض قبل أربع سنوات وبالذات بتاريخ 24 ذي القعدة 1429 الموافق 22 نوفمبر 2008 زراعة أعلاف مقاومة للجفاف، ولا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مثل Brome Grass الذي نجحت زراعته في روسيا، ولكن الوزارة فيما يبدو لم تستجب لذلك، ومازلنا نهدر المياه في زراعة البرسيم.