يردد البعض منا نغمة "لماذا؟" الموسمية, و التي منها: لماذا لا يكون لدينا مسرح منظم بمقاعد و مواعيد محددة ؟و لماذا لا تشارك الجامعات بمسرحيات احترافية يتم التصويت عليها و تمنح الجامعة الفائزة دعما خاصا لتطوير المسرح فيها و تكريم خاص في قطاع خدمة المجتمع ؟و لماذا لا يتم دعم لنجوم المسرح الجامعي و التربوي في وسائل الإعلام خاصة التليفزيون؟أو على الأقل يطلب من كل جامعة الإعداد لمسرحية جماهيرية منظمة على مسرحها في الأعياد بحيث تصبح أحد أجزاءَ الاحتفاليات البلدية و كنشاط ضمن منظومة نشاطها في خدمة المجتمع,والذي تقدمه أو تدعي بعض الجامعات السعودية أنها تقدمه للمجتمع.لا يتوقف سيل أسئلة "لماذا؟ المتعلق بالمسرح و السينما و غيرهما من فنون الترفيه التي أصبحت صناعة تسارع الدول في وضع خططها مثل اليابان من اجل تعزيز مكانتها و قوة ثقافتها عالميا.الذي يعنيني هنا هو تلك الوظائف المهدرة للمسرح و التي يمكن ان نقسمها مبدئيا إلى قسمين:الأول يعني بالوظيفية التربوية و الترفيهية والغرس او التنشئة الاجتماعية .وهذا القسم فيما يبدو أننا لازلنا على قناعة بأنه لا يتحقق من على خشبة المسرح, وهو مخالف تماما لما تقول به كل الثقافات و أثبتت العكس الدراسات الإنسانية.و الثاني يتعلق بالشق التوظيفي للمسرح, والذي اعتقد اننا نهدر فرصا كبيرة في تأسيس لمسرح وطني او تربوي يساهم في غرس القيم و يدفع بالمجتمع نحو المزيد من التقدم.الوظائف المهدرة ببساطه تساوي حاصل ضرب عدد المدارس في واحد و ضرب عدد الجامعات في عشرين، و كذلك ضرب عدد أمانات المدن و المحافظات التي تؤمن بقيمة المسرح في ثلاثة .سيمثل الرقم الناتج عددا من الوظائف "للشباب المسرحي" الذي لم نعد نملك بعض مقوماته و نحن نتجه للمشاركات الخليجية و العربية إلا من خلال الهواة و المتطوعين.و سيكون العدد مذهلا و يفوق الأربعين ألف وظيفة بشكل مباشر.أما أعداد الوظائف التي ستتحقق بشكل غير مباشر فمثله أو يزيد.فكل مدرسة بحاجة إلى مشرف للمسرح التربوي بل هناك مدارس تحتاج أكثر و التي تطبق مفاهيم الترفيه التربوي. و لعل الأردن الأقرب في هذا المجال حيث أدخلت التعليم بالدراما و التمثيل في معظم المجالات بما فيها العلوم و الرياضيات.انك تخجل تماما ان تحضر أمسيات التخرج التي تقيمها بعض المدارس و أنت تشاهد احد الأخوة المتعاقدين و هو يدير المسرح بطريقة لا علاقة للمسرح بها.اعتقد أن تجميد شعبة المسرح الوحيدة في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود كان الهدف منه وجود ضمان وظيفي للخريجين للوظائف غير الخاضعة للتصنيف الوظيفي المتجمد.و لو عدنا للرد على من سيدعي أن الدولة ليست بحاجة إلى مثل هذا الترف الوظيفي في المدارس,فسيكون الجواب أن خلق أكثر من أربعين ألف وظيفة ليس بالهدر ,بل هو في نظري أجدر من شركة مقاصف لملء البطون ,و هو فتح بوابة ضمان و تعزيز قيم من خلال المسرح الذي افتقدنا دوره و أصبحت بعض قيم شبابنا تقدم لهم معلبة من خلال التفاعل مع منتجات فكر الآخر.فعلى الأقل دعه يتلقى منك و من غيرك .إنها مرحلة حرجة وصلت معها الأمور إلى بعض التدهور القيمي مثلما نلمسه من خلال بعض الطرح الإعلامي الذي يدعو إلى التساؤل الخطير :لماذا يُلحد بعض أبنائنا؟ إنها المعارف و القيم داخل الحراك الثقافي و ليس بالحشو والتسكين في صندوق الجمجمة الأسود. و هناك جانب آخر يمكن النظر إليه و هو إسناد الأمر إلى شركات تربوية تدير الموضوع خارج التوظيف الحكومي.فالمنتج سيكون للاستهلاك الإعلامي و برعاية تجارية.فطالما أن المنتج يجذب الجمهور فهو سيجذب معه المعلن أيضا, و لذا لسنا بحاجة إلى الوقوف في طابور الخدمة المدنية اكثر من اللازم .فإهمالنا للدور التربوي للمسرح يزيدني قناعة بالقول التربوي الذي يشير إلى أن أطفال المجتمع هم عبارة عن قطع من القماش لذا يحذرنا التربوي بأن نحسن حياكة قطع أقمشتنا قبل أن يقوم الآخر بحياكتها دراميا و قيميا, فنلبسها رقعا ثقافية بالية لا نملك منها سوى الحشو فقط.