في مثل هذا اليوم (28 مايو) من عام 1987 تعرضت هيبة الاتحاد السوفييتي لإهانة كبيرة من شاب ألماني صغير.. ففي مغامرة غير محسوبة طار شاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من برلين الى موسكو وهبط أمام الكريملين مخترقا كافة الدفاعات الجوية لدولة عظمى.. لا تتجرأ حتى أمريكا على الاقتراب من مجالها الجوي. كان يدعى (ماتيوس راست) تمكن بطريقة ما من اختراق أجهزة الدفاع الجوي والرادارات وأنظمة الاستطلاع وهبط في الميدان الأحمر في قلب موسكو أمام دهشة المواطنين.. ليس هذا فحسب؛ بل دار قبل هبوطه حول وزارة الدفاع والمباني الرسمية ومكاتب الكريملين، وحلق أثناء رحلته فوق عدد كبير من المطارات ومواقع الصواريخ قبل وصوله لموسكو. وحينها أثارت شجاعته إعجاب العالم وتساءل الجميع كيف نجح شاب صغير (في طائرة مروحية متواضعة من طراز سيسنا 172) في فضح أنظمة الدفاع السوفييتية والتوغل لمسافة 8000 كلم في الأراضي الروسية.. والأدهى من هذا أنه هبط أمام مقر الحكومة والبرلمان.. الأمر الذي تسبب في عزل عدد كبير من العسكريين فيهم وزير الدفاع الروسي.. في حين قضى الطيار نفسه 14 شهرا في السجون الروسية قبل أن يسلم لألمانيا!! ويرى كثير من المؤرخين أن مغامرة راست (الذي يبلغ من العمر الآن 44 عاما) ساهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي والتعجيل بخطة التحديث والتخلص من عباءة الماركسية.. ففي ذلك الوقت كان الزعيم الإصلاحي غورباتشوف يفكر جديا في فتح البلاد واطلاق الحريات وتبني اقتصاد حر ورأسمالي.. غير أنه كان يواجه دائما بعقبة العسكريين والمحافظين من كبار السن.. وحين هبط راست في قلب موسكو - وكاد يصطدم بضريح ليني - استغل الفضيحة لعزلهم والإطاحة بهم تحت هذه الحجة!! .. المدهش أكثر؛ أن هذه المغامرة - التي حدثت قبل ربع قرن - كررها مواطن كوبي شجاع قبل بضعة أعوام.. كان رائدا في سلاح الجو الكوبي يدعى (اورسبتس بيريز) هرب إلى فلوريدا على متن طائرة مقاتلة أثناء مناورة تدريبية. وقد أثار هربه غضب الرئاسة الكوبية فقررت الانتقام من عائلته في هافانا ومنعها من الاتصال به.. وعبثا حاول بيريز إقناع السلطات الكوبية بفك اسر عائلته والسماح لها باللحاق به. وحين استنفذ كافة الوسائل الدبلوماسية (من بينها وزارة الدفاع الأمريكية التي رفضت مساعدته) قرر بيريز استعادة عائلته بنفسه بعد دراسة أسلوب راست الألماني في تجاوز الدفاعات الجوية.. وهكذا استأجر طائرة سيسنا صغيرة نفس الطراز الذي استخدم في المغامرة الأولى وقطع مسافة طويلة على ارتفاع منخفض في محاولة لاختراق دفاعات كوبا الحصينة.. وفى حركة لا تتكرر إلا في الأفلام هبط بيريز أمام منزل عائلته في الشارع الرئيسي للعاصمة هافانا وسط ذهول المارة ودهشتهم. ومن حسن حظه أن شمل عائلته كان مكتملا في ذلك الوقت فحشرهم حشرا في الطائرة الصغيرة أمام أنظار الجيران. وقبل أن تدرك السلطات حقيقة ما يجرى أقلع بطائرته باتجاه فلوريدا في طيران منخفض. وحين نجحت المقاتلات الكوبية أخيرا في تحديد موقعه كان بيريز قد دخل المجال الأمريكي مما أجبر المقاتلات الكوبية على التراجع والعودة لهافانا. ومثلما حدث لراست الألماني استُغلت مغامرة بيريز لأغراض سياسية واستقبله بوش مع عائلته في البيت الأبيض.. على أمل انهيار نظام كوبا المغلق كما حصل في روسيا!!