بعد نشر خبر انتهاء تصويت مجلس الشورى على مواد مشروع النظام الجديد للحماية من الإيذاء ، استعداداً لرفعه للملك عبدالله بن عبدالعزيز ، قرأنا خبراً عن حكم صدر في جدة على رجل ضرب زوجته ووالديها وتسبب في إصابتهم ، تضمن الحكم السجن 14 يوما - مع احتساب فترة إيقافه - وجلده 50 جلدة دفعة واحدة وأخذ تعهد عليه بعدم العودة لهذا الفعل . لو تفحصنا ما كتب عن المشروع الجديد الذي تم التصويت عليه لن تجد ضمن العقوبات المحددة الواردة في طياته أي ذكر لعقوبة الجلد . فما تضمنه المشروع من عقوبات جاء فيه " حدّد عقوبة كل من ارتكب فعلاً من أفعال الإيذاء - مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد وردت في الشريعة الإسلامية أو بأحد الأنظمة النافذة - بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد على 50 ألف ريال أو بإحدى العقوبتين، وفي حالة العودة تضاعف العقوبة، كما أجاز للمحكمة إصدار عقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحرية ". هذا المشروع غيّب عقوبة الجلد في مثل هذه الحالات ، وهذا قد يلاقي استحساناً كبيراً عند فئات كثيرة لوجود أحكام أجدى منها في هذا العصر - هذه نقطة - والنقطة الأخرى تتحدث عن " عقوبات بديلة " فما هي العقوبات البديلة التي قد يحكم بها قاض على شخص مدان بحالة من حالات الاستغلال أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية بمختلف أنواعها ؟ خذ هذا المثال ، منذ أيام أيضاً صدر حكم في جدة ضد مواطن ضرب زوجته ضرباً مبرحاً أوصلها للمشفى ، يقضي الحكم – كحق عام - بحفظ 5 أجزاء من القرآن الكريم، و100 حديث، إضافة إلى قراءة 3 كتب شرعية " محددة " ، تختبره فيها المحكمة بعد 6 أشهر ، أما الحق الخاص فتم تسويته بين الطرفين لقاء تعويض قدره 7 آلاف ريال . هي وجهة نظر قاضيه ، ولن نعلّق ، لكننا نتمنى أن تتجه العقوبات البديلة إلى ما يخدم المجني عليه ، كما يخدم الجاني ، فزوجة كهذه من حقها علينا أن نساعدها في إصلاح زوجها عقلياً ونفسياً واجتماعياً حتى لا يعود لفعله المشين مرة أخرى ، طالما أنها قررت الاستمرار في الحياة معه ، يجب أن نرغمه على أخذ جلسات علاجية واستشارية ، نفسية وزواجية ، لمدة محددة ، عند مختصين معتمدين لدى المحكمة ، تؤهله وتقيّم سلوكه ، على أن يرفع هؤلاء المختصون تقارير للمحكمة تفيد بالتزامه بحضور الجلسات وباكتمال تأهيله ، وهناك أحكام ملزمة بخدمة المجتمع ممكن أن يؤديها الجاني تخدم الناس وتطوّر عنده مفهوم التواصل مع الآخرين ، كما تعلمه أصول الحوار وضبط النفس والتعايش الأمثل مع الآخرين مهما اختلفوا معه في القناعات والتوجهات . هناك الكثير من التوجهات والأفكار والمجالات مما يمكن أن تتضمنه أحكامنا القضائية على مرتكبي الإيذاء بأنواعه ، بما يخدم المعنَّفين كما تصلح المعنِّفين ، كل حالة لها معطياتها ولها ما يناسبها من أحكام . ولنا ثقة في قضائنا - الذي يسعى دائماً للتطور والإصلاح – أن لا يدخر وسعاً في مشاورة المختصين في العقوبات التي من شأنها إصلاح الأطرف المتنازعة ، لمصلحة الأسرة خاصة ، ومن ثم مصلحة المجتمع ككل .. والله ولي التوفيق .