أبرز سمات ضعف تخطيط المدن السعودية يكمن في ضخامة عدد قطع الأراضي التجارية على حساب قطع الأراضي السكنية، حيث يبلغ طور الشوارع الهيكلية في مدينة الرياض حوالي 314 كلم، ويقدر طول الشوارع التجارية في المدينة بحوالي 15,7 ألف كلم، أي أن طول المناطق التجارية على جانبي الطريق يصل إلى 31,4 ألف كلم. وإذا استثُني 10% للشوارع الفرعية؛ فإن صافي طول المناطق التجارية يصل إلى 28,3 ألف كلم. وتقدر مساحة المناطق التجارية في مدينة الرياض وحدها بحوالي 847,8 ألف كيلو متر مربع (28,3 كلم × عمق 30 متر)، أي أنها تقابل 2.1 مليون قطعة سكنية بمتوسط 400 متر مربع كافية لإسكان 10,6 ملايين أسرة مكونة من 5 أفراد في المتوسط. وإذا أخذنا في الاعتبار تعدد الأدوار في المناطق التجارية؛ فإن مساحة المناطق التجارية في مدينة الرياض قادرة على استيعاب أكثر من نصف سكان المملكة (مواطنون وأجانب). أيضاً يمكن بناء حوالي 7,1 ملايين محل تجاري بعرض 4 أمتار، وهذا أكثر من عدد سكان منطقة الرياض الحاليين والمحتملين خلال الثلاث سنوات القادمة. هذه الأرقام تؤكد على عدم ملاءمة إطلاق كلمة "مطور" على مخططي الأراضي الخام في المملكة لأنهم سبب رئيس في سوء تخطيط المدن السعودية، فقد أدخلوا السوق العقارية السعودية في تناقضات ومفارقات غير منطقية. فأسعار قطاع الأراضي التجارية تنمو أسرع من أسعار القطاع السكني، في حين يقابل الارتفاعات القياسية لتكاليف إيجار المساكن؛ استقرار - وفي بعض المناطق انخفاض - تكاليف إيجار المناطق التجارية. لقد رمى مخططو الأراضي الخام بكل ثقلهم من أجل زيادة مساحات المناطق التجارية في مخططاتهم على حساب مساحات المناطق السكنية، لم يجدوا أي مقاومة تذكر من أمانات المناطق للحد من نمو المناطق التجارية التي تفتقر لأبسط متطلبات التخطيط مثل توفير مواقف سيارات كافية للمناطق التجارية. لقد دفع المواطن تكاليف باهظة لسياسة التوسع في المناطق التجارية ذهبت لجيوب كبار العقاريين. وحتى المكاسب التي جناها قطاع الأعمال في المملكة عن طريق انخفاض إيجارات المكاتب خلال الثلاث سنوات الأخيرة من 1300 ريال للمتر المربع إلى 700 ريال للمتر المربع لم تكن بسبب ضخامة المناطق التجارية، بل تعود إلى النمو الاقتصادي الذي انعكس بشكل مباشر على قطاع الإنشاءات في المملكة لاسيما التوسع في بناء الأبراج التجارية. إن ضخامة مساحات قطاع الأراضي التجارية في معظم مدن المملكة يعطي دلالات على أننا أمام أزمة إسكان مفتعلة، وبالتالي فإن السماح بتعدد الأدوار وتحويل قطع الأراضي التجارية داخل الأحياء الجديدة (والأراضي التجارية التي لم تستغل بعد) إلى أراض سكنية سيساهم في تبديد فقاعة السوق العقارية ورفع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم. [email protected] مستشار اقتصادي