منذ أن تم تأسيس فكرة "المقاصف المدرسية" في واقع التعليم العام، لم نستطع أن نتلمس تطويراً بسيطاً في واقعها، أو إحداث تجديد على طريقة تعاطيها مع الوجبات المقدمة للطلاب والطالبات، حيث لا تزال تدور حول فكرة التعاقد مع بعض الشركات لتقديم الفطائر والعصائر وبعض المغلفات من البسكويت والحلوى، لتبقى تتمتع بالشكل البدائي عبر وجود نافذة صغيرة مطلّة على ساحة المدرسة، يتسابق عليها الطلاب والطالبات قبل نفاذ كمية الأغذية، في حين وضعت بعض المدارس حلولاً بسيطة ببدء الوقت المخصص لتناول الطعام ب"ربع ساعة"، في حين فضلت بعض الطالبات خاصةً الأطفال منهن على عدم تناول أي وجبة؛ نظراً لضيق الوقت المخصص للفسحة المدرسية، والذي يضيع أغلبه في التزاحم والدفع والشد ليفضلن التسابق باللعب في ساحة المدرسة على الزحام في المقصف!. والملاحظ غياب تطوير العمل في المقاصف، الأمر الذي يُحتم الإفادة من الأسر المنتجة في ربطها بالمقاصف، والتي أصبحت بحاجة إليهن؛ وذلك لإحداث التغير في تعاطيها مع الوجبات المقدمة، فالكثير من الأسر المنتجة أصبحت تدير دفة المنازل، من خلال إعداد وجبات وتوصيلها هناك، فأين الجهات المعنية من تبني مشروع حقيقي ومتكامل يربط الأسر المنتجة بالمقاصف المدرسية، بشكل يقفز بفكرة المقصف إلى مطبخ معد بشكل جيد، لتتحول الفطائر غير المجدية إلى وجبات متنوعة يُعدها سواعد نسائية وطنية؟، وبالتالي تحقيق الفائدة للطرفين الأسر والمقصف. "الرياض" تطرح الفكرة، وتناقشها، فكان هذا التحقيق. مشروع منتظر في البداية قال "د.سعد الحريقي" - مدير جامعة الباحة -: إن التعاون في دعم الأسر المنتجة موجود ليس فقط في محيط وزارة التربية والتعليم، بل في جميع القطاعات الحكومية، فهناك مشروع تبنته الجامعة مع وزارة الخدمة الاجتماعية، لعمل برنامج يُدعم من قبل وزارة الخدمة المدنية وتقره وزارة الشؤون الاجتماعية، لدعم الأسر المنتجة، مضيفاً أنه يهدف إلى تأهيل بعض أفراد الأسر للعمل في بعض المشروعات الخاصة بالتغذية، بحيث يعد لهم مطبخ خاص ويعملون من خلاله على إعداد أطعمة تحت رقابة صحية، ويتم التعاقد معهم لمقاصف الجامعات، مشيراً إلى أنه تم توقيع اتفاقية شاملة مع وزارة الخدمة المدنية، وسيرى النور قريباً، مبيناً أن مثل مشروع ربط الأسر المنتجة بالمقاصف المدرسية غير غائب كفكرة عن وزارة التربية والتعليم، ولابد أن تتبنى تلك الفكرة لترى النور، مؤكداً على أن تجربة المقاصف المدرسية منذ بداية تأسيسها وحتى الآن لم يطرأ عليها أي تغيير، حيث ينقصها الكثير من التطوير بشكل جذري، وذلك يتطلب إعداد نظرة مستقبلية لها بشكل مدروس. وأوضح أنه إذا ما تم تبني هذا المشروع على غرار البرنامج الذي أعدته الجامعة، والذي أنطلق به على شكل "دبلوم" بتخصصات في التغذية وبفترة قصيرة يقدم من فصل إلى عام، ويكون هناك تعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية بإنشاء هذا المشروع، ثم تعاقد الجامعة مع بعض هؤلاء المنتسبات في تقديم المنتج، فمثل هذه التجربة إذا أحسن إدارتها والعمل في إطار إداري وفني سليم وطبق في المدارس، فإنه سيكون لها مردود كبير، بل ومن الممكن أن تعمم التجربة على جميع المؤسسات. د.سعد الحريقي قائمة معلوماتية وشدّدت "د.نورة الكثيري" -أستاذة التربية الخاصة جامعة الملك سعود- على ضرورة أن تبادر وزارة الشؤون الاجتماعية بعمل قائمة معلوماتية عن الأسر المنتجة، والتي من خلالها تنطلق في عمل حملات توعوية للتعريف بهؤلاء الأسر، والحديث عن إنتاجهن، ومدى تميزهن، وكيفية الإفادة منهن، حتى تستطيع المدارس والجامعات التعرف عليهن من خلال القاعدة المعلوماتية، تلك المقدمة والمعتمدة من وزارة الشؤون الاجتماعية، مضيفةً أنه من المهم أن يتم تدريب هذه الأسر المنتجة، مع اختبار مدى جودة ما تقدمه، حتى تستطيع المدارس والجامعات إخضاعهن لفترة قياس مدى جدارتهن، من حيث الجودة في إعداد الطهي والأصناف والطرق المبتكرة في التقديم، والتي تُحفز الطلاب على تناولها، مبينةً أنه قد يفتح ذلك مجال لتنوع أعمالهن، ليس فقط في محيط المقاصف المدرسية، بل أيضاً الشركات الكبيرة الخاصة، والتي ستبادر بالإفادة منهن، مشيرةً إلى أن الخطوة الأولى لابد أن تبدر من الوزارة والتي لابد أن تخاطب الجهات التعليمية التي ترغب بذلك، مع عقد الاجتماعات اللازمة التي تؤسس ذلك المشروع. وأوضحت أن للخدمة الاجتماعية في الجامعات والعلاقات الاجتماعية دور في تفعيل تلك الفكرة، عبر مخاطبة الجهات المعنية لعقد التعاون مع الأسر المنتجة، مضيفةً أن أقسام الخدمة الاجتماعية لابد أن تتحمل دورها في تفعيل الأنشطة والفعاليات التي تخدم الأسر المنتجة، كدعوتهن لعرض بعض منتوجاتهن في الجامعة، وفي بعض معارضها كنوع من الدعم. كوادر وطنية وعن الآثار الإيجابية التي سيحدثها مشروع ربط الأسر المنتجة بالمقاصف المدرسية والجامعات، أكدت "د.نورة الكثيري" على أن لها أثراً كبيراً، من خلال اعتماد الأسر المنتجة على نفسها ودعمها في توسيع نطاق مدخولها الذي تنفقه على أسرتها، كذلك تشجيع الشباب على خوض تلك التجارب، فيخرجن من محيط البحث عن وظيفة مكتبية إلى تحويلهن كوادر وطنية عاملة، ثم الانطلاق في مشروعات استثمارية جيدة، مبينةً أن ذلك له أثر كبير حتى على الناحية الاقتصادية، ويساهم في احتواء الأسر المنتجة، إلى جانب تعميق ثقافة احترام عملهن، ثم تغيير نظرة المجتمع لهن. ورأت "د.مها السديري" -مديرة إدارة الخدمات النسائية في أمانة الأحساء- أن مشروع ربط الأسر المنتجة بالمقاصف المدرسية لا يجب أن يكون مسؤولية وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية فقط، بل إن جميع وزارات الدولة وجميع الجهات التي يهمها دعم الأسرة المنتجة عليها أن تبادر بتشغيلها والإفادة منها، مضيفةً أن الأسر المنتجة من أكثر الفئات احتياجاً للدعم، وإذا ما تم تبني مشروع الربط بينهما وبين المقاصف، فإن ذلك سيعود بالنفع الكبير على جميع الجهات، وليست فقط الأسرة المنتجة، مشيرةً إلى الدور الذي من الممكن أن تلعبه وزارة الشؤون البلدية، والتي عليها مسؤولية استغلال السيدات اللاتي يعملن في مبنى "السوق الشعبي"، والتي تقدم أشياء مميزة إلاّ أن عملها محصور في المعارض والملتقيات فقط، فلم يتم الإفادة منها بالشكل الحقيقي الذي يخدم محيط التعليم وغيره. نحتاج إلى مشروع وطني ومتكامل يقفز ب«فكرة المقصف» إلى مطبخ «عائلي» و«صحي» أثر اجتماعي وأوضحت "د.مها السديري" أن هناك الكثير من الطالبات في محيط المدارس هن أيضاً من الأسر المنتجة، ولكن ل"عزة النفس" التي يتميزن بها فإنهن يخفين هذه المعلومة عن الآخرين، مضيفةً أن الأسرة المنتجة ترفض أن تخبر عن نشاطها، ولكن إذا ما تم تبني هؤلاء بشكل رسمي ومنظم كعمل مدروس من خلال مقاصف المدارس، فإن ذلك سيعود بأثر اجتماعي كبير على الأسرة المنتجة، لتشعر بدعم المجتمع واحترام ما يُقدمه، ومدى أهميته، كما يمكن كذلك الإفادة بتوظيفهن في الجامعات، عن طريق مطاعم الجامعات النسائية، ثم تدويرهن بين المقاصف المدرسية وبين الجامعات، حتى يتم تبادل الخبرات، مؤكدةً على أنه يوجد عدد كبير من الفتيات اللاتي يستطعن العمل داخل المقاصف المدرسية بشكل ممتاز، ذاكرةً أنه يوجد عدد كبير منهن في "جمعية فتاة الأحساء" وفي "باب رزق جميل" وكذلك "مركز جنا" و"الراجحي"، وغيرهن الكثير ممن انطلقن في أعمالهن من المنازل، مشيرةً إلى أن هناك أسراً تعمل بالخفاء بإعطاء منتجاتها لبعض الصديقات، ثم يتوارين عن الأنظار ويتركن مهمة التسويق لغيرهن؛ لفرط الحساسية التي يشعرن بها من نظرة المجتمع. وقالت "منى العبدالقادر" -سيدة أعمال-: إنه من الضروري التخطيط لربط الأسر المنتجة بالمقاصف المدرسية، على أن تتبنى ذلك المشروع لجان وطنية، مضيفةً أنه لابد أن يكون هناك تثقيف صحي من قبل هذه اللجنة ليس فقط للأسر التي ستتولى المقاصف، بل كذلك حتى على الطالبات، مؤكدةً على أنه لا يوجد اهتمام بالثقافة الصحية، والتي لابد أن تنطلق من تحسين أداء هذه المقاصف، كما لابد أن تكون هناك رقابة ذاتية من قبل الجهات المعنية. توصيل مجاني وذكرت "منى العبدالقادر" مبادرتها في عمل مشروع للأسر المنتجة تم تقديمه لإحدى الشركات الخاصة الكبيرة، بتوفير التوصيل المجاني لهن، والذي يمثل المشكلة الأكبر لديهن، مشددةً على ضرورة توفير هاتف خاص لاستقبال الطلبات التي تتوافد عليهن، وأن تسعى وزارة التربية والتعليم في تبني مثل هذا المشروع، والذي سيسهم في تغير واقع المقاصف المدرسية من جهة وفي تغير طريقة الطعام المتناول لأبنائنا من جهة أخرى، مشيرةً إلى أن المبادرة لابد أن تكون من وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية، حتى يتم تحديد الرقابة على هذا المشروع، فالكثير من المشروعات الجيدة لم تنجح بسبب غياب الرقابة، ناصحةً بتطوير مباني المدارس لنجاح هذا المشروع، وكذلك تطوير المقاصف، بتحويلها إلى مطاعم مجهزة بمطابخ لإعداد الوجبات الصحية، إلى جانب تزويدها بالمعدات المميزة القادرة على إعداد مختلف الوجبات المحببة للطالبات والطلاب، على أن يتم الاعتماد في الحصول على وجبة ب"كوبونات"، وليست عملة ورقية، مع رفع تقارير مستمرة لإدارة التربية والتعليم عن إنجازات هذا المطبخ، موضحةً أن هناك أكثر من (150) أسرة منتجة في الأحساء معلنة، في حين أن الكثير منهن مازال يعمل في الخفاء، وهنا لابد من توجيههن إلى المدارس الكثيرة والمنتشرة في المنطقة. امرأة تُعد وجبة على طريقتها للزبائن سيدة تشتري إحدى الوجبات من أحد معارض الأسر المنتجة