تظل الجوائز العلمية هي أرفع الجوائز وأعلاها مكانة لارتباطها بحركة البحث العلمي الذي هو سبيل الحضارة ومحور التقدم ، وكانت بلادنا وما زالت سباقة إلى دعم الحضارة الإنسانية بوضع الجوائز العلمية التي يسعى إليها الباحثون والمؤسسات من كافة دول العالم بسبب معاييرها العالية ونزاهتها المطلقة ولعل أبرزها جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة، وجائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية وغيرها من الجوائز. هذا النهج الحضاري النبيل يدل دلالة كبيرة على توجه هذه البلاد وقادتها المتطلع لخدمة العلم ودعم العلماء والباحثين في شتى المجالات. وهاهي جائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية تتجلى في نهاية دورتها الرابعة يوم الأحد الماضي، تلك الجائزة التي تعد من أهم الجوائز الداعمة لحركة البحث العلمي الوطني بحكم ارتباطها بتاريخنا وآدابنا وتراثنا بل هي الأبرز في نوعها من حيث خدمتها للتاريخ العربي والإسلامي بصفة عامة، ولقد لاحظنا خلال السنوات الماضية على امتداد الدورات الأربع تطوراً في هيكلة الجائزة وتنظيمها وآلياتها وفروعها من دورة إلى أخرى؛ وهذا دليل على حرص القائمين عليها على استيعاب المستجدات العلمية وتوظيفها للارتقاء بالجائزة إلى مستويات أعلى طالما أنها تحظى برعاية واهتمام وعناية رجل التاريخ صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة الملك عبدالعزيز الذي يعود له الفضل الأكبر بعد الله في تشجيع الباحثين ودعم المؤرخين في تاريخ المملكة العربية السعودية بل وتاريخ الجزيرة العربية وكنت ممن شرف بهذا الدعم التشجيع إثر صدور كتابي (يوميات الدبدبة) حيث طلبني الأمير لا لشيء إلا ليرفع روحي المعنوية بثنائه على كتاب اقتناه وقرأه بعين الخبير فعرف قيمته التاريخية؛ فلم تشغله هموم المسئولية، ولم تعقه كثرة الالتزامات العملية عن استدعاء باحث يعيش في أفياء عالية نجد بعيداً عن العاصمة بهدف تشجيعه ودعمه في وقت لم يعلم كثير ممن يدّعي العلم والثقافة عن صدور ذلك الكتاب!! فلله دره من أمير، وجزاه عني وعن جمع الباحثين بكل خير، وليس من رأى كمن سمع. وعوداً على بدء فإن الجائزة مستمرة في تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها ومن أبرز هذه الأهداف تكريم المتميزين والرواد في دراسات تاريخ الجزيرة العربية عامة وتاريخ المملكة العربية السعودية خاصة بل إن هذا الهدف ارتقى هذا العام بتكريم المتميزين في هذه الدراسات من غير السعوديين فكان في تكريم الشيخ سلطان القاسمي الشاهد الأكبر، ومن أهداف الجائزة تشجيع من أنجزوا أعمالاً تاريخية في نطاق الجائزة كالرسائل والمقالات والبحوث والكتب وقد تم خلال الدورات الأربع فوز العديد من الباحثين بذلك، ومن أهم الأهداف تقديم المنح البحثية للدراسات التاريخية ولذا فإن اسمها لم يقتصر على الجائزة بل كان (جائزة ومنحة) لأن المنح العلمية مسلك حضاري مهم يدفع بالباحثين والمهتمين للعمل على إنجاز بحوثهم ودراساتهم المتعثرة كما يشجع الآخرين على البحث والتنقيب عن موضوعات جديدة تخدم تاريخنا من خلال هذه المنحة رغم أن الفوز بها يعد جائزة في حد ذاته ؛ والحقيقة أن الجمع بين جائزة ومنحة في منظومة واحدة ثم فصل الجوائز عن المنح داخلياً عمل رائع يستحق التقدير لأنه يتيح فرصاً أوسع للباحثين على كافة مستوياتهم للمنافسة ويخلق نوعاً من التنوع المعرفي بوسائل مختلفة ومتعددة لخدمة التاريخ الوطني. وأخيراً فإن هذه الجائزة والمنحة مأثرة سيحفظها التاريخ في سجله الخالد كأول جائزة بهذا الحجم والتنظيم في دراسات الجزيرة العربية بصفة عامة والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة مأثرة من مآثر الأمير سلمان المتعددة في مجالات العلم والثقافة والخير والإنسانية والعمل والتنمية لهذا الوطن المعطاء ولكن طموحات الأمير في دعم العلم والثقافة والتاريخ لا تتوقف عند حد؛ فهاهو يدشن في حفل الجائزة يوم الأحد الماضي انطلاقة جائزة جديدة هي جائزة الملك عبدالعزيز للكتاب، فالأمر كما قال المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم