"كاتب رديء أفضل وأهم من ناقد ممتاز"، هذه العبارة التي قالها الروائي الانجليزي جوليان بارنز واحدة من بين عبارات انتقاصية عديدة قامت الدكتورة لمياء باعشن بمناقشتها والرد عليها في مقال جميل حمل عنوان (لا تماثيل للنقاد)، وهي ومقولات أخرى غيرها تتكاثر بمقدار تكاثر الكتاب السيئين في جميع أشكال الكتابة الإبداعية ويستخدمها المبدع –وغيره- في وقت الحاجة كسلاح يُشهره في وجه الناقد لكتم صوته المزعج، وهذه العبارات يُسلَّم بها وتعامل معاملة الحقائق الثابتة ومن النادر أن تجد من يُناقشها ويبين خللها والأسباب التي دفعت إلى إصدارها. تطرح باعشن في المقال تساؤلاً عن إمكانية اعتراف المبدع بجميل الناقد عليه وعلى إبداعه، وتجيب بإجابة قطعية: "على العكس تماماً فهو إن رضي عنه فذلك لأنه التفت لعمله ومدحه، ورغم ذلك فهو يعيّره بمقولة أنه يقتات على فتات إبداعاته، فهو طفيلي وعالة عليه لا يحسن سوى إعادة اجترار إنتاج عبقريته الأصيل"، وهذه المسألة صحيحة وتتضح بجلاء في أحاديث وحوارات الشعراء والمبدعين وفي إجاباتهم عن حقيقة وجود الناقد وأهمية دوره، فكما تذكر باعشن فسخط المبدع ونقمته وتصريحه بهامشية دور الناقد وعدم حاجته إليه "تنم عن رغبة دفينة في أن يتحرك الناقد ليتولى عمله بالتحليل والكشف"..! إضافة إلى إشارتها إلى أن "النقد والإبداع عمليتان متداخلتان ومترابطتان بلا تبعية" خلافاً للآراء التي تنظر للإبداع على أنه (حصان) يقود (عربة) النقد أو أن النقد هو الحصان الذي يجُر عربة الإبداع، تتوقف باعشن وقفة مهمة وسريعة مع تساؤل: "من سيرضى أن يُصبح ناقداً لو استطاع أن يُصبح مُبدعاً"؟ وهذا التساؤل في حقيقته صياغة غير شائعة لمقولة: "الناقد شاعر فاشل" التي ترى في ممارسة النقد طريقاً إجبارياً يسلكه الفاشلون في كل فن ولا يُمكن أن يتوازى أو يتقاطع مع طرق الإبداع، مع أن الحقيقة هي أن الناقد الجيد مُبدع يسلك طريق النقد مُختاراً وهو على وعي تام بأن هذا الطريق هو طريق المتعة الصعبة وهو أكثر الطُرق وعورة وجلباً للسخط، وكما ذكرت الدكتورة لمياء فإن الإنتاج الإبداعي غير النقدي "لا يتطلب جهداً كبيراً، فالموهبة الجبارة تمنح المبدع وحيها وما عليه سوى الانصياع، ثم يأتي دور الناقد المرهِق والذي يستلزم جهداً منهكاً وتحصيلاً معرفياً ضخماً يُمكنه من الغوص في أعماق النصوص واستخراج دررها". ولعل أوضح الأمثلة على صعوبة طريق النقد ودور الناقد في ساحة الشعر الشعبي –التي لا يختلف وضع الناقد فيها عن غيره- أن معظم الشعراء لا تخلو تجاربهم من أبيات أو قصائد في هجاء الناقد الذي اختار المغامرة وسلك الطريق الذي لا يجرؤ على اختياره والسير فيه إلا القلة القليلة من المبدعين..!