والمشكلة قديمة تعود إلى ستين عاما، يوم أن كنت طالبا في المرحلة الثانوية/ قسم علوم، فقد درست العلوم دراسة نظرية دون أن أدخل أي معمل، مع أن العلوم مادة تطبيقية مكانها المعمل والمختبر وليس الكتاب، مادة لا تلقن وتحفظ بل تمارس وتطبق، والكتاب ما هو إلا شرح للخطوات التي تنفذ في المعمل، وحفظها لا يفيد الطالب بشيء، وأما النتيجة فتظهر من التطبيق، ويبدو أن هذا الوضع كما يتضح مما نقرؤه عن وضع مدارسنا مازال قائما، رغم أننا لا نفتقر إلى الإمكانيات والاعتمادات المالية، ولكن المشكلة مشكلة مكان؛ فجميع المدارس وخاصة المستأجرة ليس فيها مكان يصلح كمعمل، وليس في هذا المكان الضيق مكان تحفظ فيه أواني ومعدات المعمل، كما ليس فيه مناضد أو كاونترات تجرى عليها التجارب، ولو وجد شيء من ذلك فإن تكدس الطلبة والطالبات يحول دون إجراء أي عملية، ولو فرض أن كل هذه المشكلات التي ذكرتها قد أمكن حلها، فإن المدرسين والمدرسات ليست لديهم أي خبرة عملية تمكنهم من إجراء التجارب، لأن الوضع في الجامعة التي تخرجوا منها لا يختلف كثيرا عن الوضع في المرحلة الثانوية، فالدراسة في أغلبها نظرية، ونفس المشاكل التي توجد في المرحلة الثانوية توجد في المرحلة الجامعية وبالذات ضيق المكان وتكدس الطلبة، وعدم كفاية الأجهزة العلمية والمواد الكيماوية والميكروسكوبات، وعدم كفاية المدرسين بالنسبة لعدد الطلبة، والنتيجة أن الطالب يتخرج دون أن تكون لديه أي خبرة عملية، ولا يصلح للعمل في أي مختبر أو معمل، وما حفظه نظريا يكون قد نسيه، وتستطيع أن تقول: إننا بحاجة إلى تعليم حقيقي.