يجهل كثيرون ماهية الجمعيات التعاونية وأدوارها وأهدافها وإمكانياتها المتاحة، ما يؤكد على وجود قصور تجاه أداء مهامها الفعلية، حيث تهدف في المقام الأول إلى خدمة مؤسسات المجتمع المدني بشكل غير ربحي، من خلال زيادة تفاعل النخبة والمجتمع مع قضاياهم الخاصة والعامة، في حين لم يتجاوز دورها حالياً عن التنسيق أو المتابعة في معظم الأحيان. وتزامن عدم وضوح الرؤية داخل تلك الجمعيات مع غياب الدعم المادي من خلال تخصيص ميزانيات دقيقة ومحددة، مما عرضها إلى تجاهل في ظل احتياجها إلى الدعم؛ حتى تستطيع أن تُمثل صوت الأفراد بفاعلية دون أن تبقى في الظل.. حتى تساءل كثيرون متى نجد الجمعيات التعاونية تخرج من غيابها وتكون ذا دور بارز في المجتمع؟، ومتى تُحدد رؤيتها المستقبلية تجاه تحديد حقوقها المادية والإدارية والتنظيمية؟. د.الدحلان: العوائق المادية والنظامية منعتها من تقديم خدماتها للمحتاجين مصلحة عامة في البداية، أكد "د.عبدالله الدحلان" -خبير اقتصادي وعضو مجلس الشورى سابقاً- على أن الجمعيات التعاونية تنقسم إلى أنواع، منها ما هو مختص بأعمال التجارة مثل بيع السلع بتكلفتها مع هامش ربحي بسيط، والأخرى جمعيات المجتمع المدني، وهي جمعيات غير ربحية، وهي مطلب من المطالب الوطنية في أي دولة من دول العالم المتقدمة، مشيراً إلى أن جمعيات المؤسسات المدني تختلف باختلاف دورها المقدم، حيث توجد جمعيات تعاونية خاصة بالفئات من المجتمع ذوي التخصص، بعضٌ منها تُقدم خدمات بدون أرباح، ومعظمها كذلك، أو رموز رمزية تقدم للفئة. الجمعيات التعاونية الاستهلاكية لا تنجح بدون دعم وتفاعل وبيّن أن المملكة حديثة عهد بهذه الجمعيات، إلاّ أن عددها بدأ يرتفع، وذلك أمر إيجابي؛ لأنه يدل على نضوج المجتمع بحيث يتعاون أصحاب الفئات في جمعية واحدة تخدم مصالحهم وتدافع عن حقوقهم وتعالج مشكلاتهم أمام الجهات المختصة، مثل جمعية المهندسين، وجمعية الإدارة، وجمعية الصيادين وغيرها، موضحاً أنه على الرغم من تزايد عددها الملحوظ، إلاّ أنها لم تصل إلى مستوى يدفعنا إلى القول أن هناك جمعيات كبيرة تخدم مصلحة عدد كبير، وحتى نصل إلى عدد أكبر لابد من تقييم الواقع الذي يؤكد على أن هذا الجمعيات ينبغي أن تقدم أكثر مما قدمت. وأرجع أسباب عدم تقديم الجمعيات لأدوارها إلى عوائق مادية أو نظامية، وربما إدارية؛ مبيناً أن الجمعيات التي تخرج لخدمة الفئات المتخصصة هي جمعيات في الأصل دورها لا يتعدى حدود تنسيق الجهود وتطوير أعمال، إذ لم يتجاوز دورها إلى أن مستويات رسمية وتجسيد رقابي؛ بما يتيح لها فرصة التحدث بقوة، دون أن تكون جمعيات غير ربحية بقدر ما هي خدمية ليس لها صوت أكثر من كونها تنسق الجهود وتقدمها للجهات الأخرى، موضحاً أن نجاح هذه الجمعيات مقترن بنشر ثقافة الجمعيات التعاونية والعمل التعاوني لخدمة أصحاب الفئات، ثم دعم هذه الجمعيات من قبل المنتسبين إلى الفئة. وطالب بفرض إلزامي للإشتراك بهذه الجمعيات؛ حتى تعطى هذه الجمعيات دعماً مالياً كبيراً جداً من مشتركيها، إلى جانب أن يكون ممثلو هذه الجمعيات هم في مقدمة المرشحين في الجمعيات الاقتصادية والتجارية والغرف التجارية وغيرها من اللجان الوطنية، موضحاً اختلاف انتمائية اللجان، حيث إن اللجان الاقتصادية تنتمي إلى الغرف التجارية والجمعيات التعاونية الخدمية العلمية تنتمي إلى الجامعات، مستشهداً بما تضمه جامعة الملك سعود مثل "جمعية الإدارة" و"جمعية المحاسبين" وغيرها في جامعات أخرى بالمملكة. إشكالية تنظيم وشدد على ضرورة إيجاد تنظيم يجمع مؤسسات المجتمع المدني المشاركة فيها الجمعيات والغرف التجارية واللجان الوطنية العمالية وأي جمعيات أخرى؛ حيث إن هذا التنظيم يضع لها خطة في استمرارها وتقدمها، مبيناً أنها في الدول المتقدمة تمثل قوة كبيرة جداً، بعيداً عن "برستيج" العضوية، على الرغم من أن البعض منها يقدم خدمات جليلة ومنها "جمعية المقاولين" و"جمعية الإدارة" و"جمعية الاقتصاديين" و"جمعية المحاسبين"، حيث استطاعوا أن يتقدموا بشكل كبير من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات ونشر أبحاث مهمة. وحمّل قصور فعالية الجمعيات إلى المهنيين والمتخصصين المنضمين وغير المنضمين لهذه الجمعيات، عندما تقاعسوا عن أدوارهم سواء كان في دفع الرسوم أو الاشتراك أو في تجديد الرسوم أو المشاركة بأنشطة هذه الجمعيات، منوهاً أن تعدد الجمعيات التعاونية في المجتمع المدني يُعطي صورة إيجابية لحق التمثيل والانتخاب، وبالتالي الدفاع عن الحقوق لدى الجهات الرسمية. مفهوم غائب وشدد "د.عبدالمنعم القو" -رئيس قسم المناهج بكلية التربية في جامعة الدمام وكاتب صحفي- على أن مفهوم التعاون بحد ذاته يُعد مفهوماً غائباً إلى حد كبير في المجمتع، إذ أن الأفراد يعلمون معنى التعاون في الجانب التكافلي بين الأفراد، ولكن فيما يخص الجمعيات التعاونية فلا يوجد وعي كاف لدى المواطن المطالب أيضاً بزيادة التعاون الاجتماعي؛ نظراً لأننا بحاجة ماسة إلى وجود جمعية لأعضاء هيئة التدريس، وجمعية للمعلمين، وجمعية للمهن الصغيرة والصعبة، وجمعية للقضاء، مشيراً أن هذه الجمعيات تكون كأداة تربط الموظفين بعضهم ببعض مع الجهات الرسمية العُليا لتصل إلى رغباتها وأهدافها، وتساعد من جهة أخرى في نشر التعاون ما بين أعضائها؛ فينعكس بالتالي على أعضاء المجتمع. وأوضح أن تفعيل دور تلك الجمعيات لن يكون إلاّ بالبدء بأهل الاختصاص كالأطباء والمحامين والحقوقيين والمعلمين وغيرهم، بحيث يتم تكوين روابط مهنية تخصصية، وينضوي تحت كل رابط منسوبيها وبالتالي يحقق التكافل بين أفرادها، ليس فقط على مستوى إيصال الصوت، بل كذلك على مستوى التكافل والتعاون في الأنظمة والتشريعات وسن القوانين وفي الدفاع عن الحقوق وإيصال الأصوات إلى مجلس الشورى ومجالس المنطقة، مطالباً أن يكون لأهل الاختصاص دور مساهم في تأسيس الجمعيات وإيصال صوت الأفراد من خلالها، إلى جانب أن يكون لتلك الجمعيات وزن ومكانة، بحيث تسمع أصوات كل مختص، وتتيح له المجال أن يرشح من يريد ويرفض من يريد كأبناء المهنة الواحدة. تكامل أدوار وترى "م.إلهام زيد الحليبه" -نائب الرئيس لشركة بناء وديكور- أن الجمعيات التعاونية لم تستطع أن تكون متكاملة في أدوارها، مما جعلها بحاجة دائمة إلى تحسين أدوارها وإعادة الدراسة في جدول عملها؛ لكي تستطيع أن تصل إلى هدف هذه الجمعية، مبينةً أن خدمة المجتمع يجب أن تكون من أولويات الجمعيات، بحيث لا يقتصر على فئة معينة أو شريحة من المجتمع، موضحةً أن الدعم المالي المقدم لهذه الجمعيات غير كاف للنهوض بأدوارها كما يجب؛ مما يتطلب رفع الميزانية المخصصة حتى تستطيع أن تتفاعل مع أكبر شريحة من شرائح المجتمع. دعم شركات وأشارت "د.فاطمة الملحم" -رئيسة قسم الأشعة بمستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر ورئيسة حملة الكشف المبكر عن سرطان الثدي- إلى ضرورة أن يكون للشركات الكبيرة دور في دعم الجمعيات التعاونية المُطالبة أن لا يتوقف دورها عند بعض الأدوار البسيطة، بل يحب أن تدعم الفئات الضعيفة في المجتمع من الأفراد وليس الجهات، منتقدةً تفرع عديد من الجمعيات من جمعية واحدة؛ مما يؤدي إلى تشتت الأدوار وضعف الأداء، إذ أن التركيز لابد أن يكون لجهة واحدة تتبنى تلك الخدمات كجمعية واحدة كبيرة تركز على جهة محددة. غياب التواصل وذكر "د.غازي الشمري" -رئيس مركز التكافل الأسري في المنطقة الشرقية- أن غياب الدور الحقيقي للجمعيات التعاونية هو مشكلة حقيقية تعاني منها الجهات المتبنية للجانب الحقوقي الاجتماعي؛ إلاّ أنه يوجه أصابع الاتهام إلى من يشرف على تلك الجمعيات التعاونية من مسئولين؛ جراء عدم وضع خطط ومشروعات حقيقية تُفعّل من دور الجمعيات، بخلاف معرفة المجتمع بالجمعيات الخيرية، وجمعيات النفع العام التي برزت في محاولة تقديم شيء من خدمة الأفراد. وأرجع سبب غياب الدور الحقيقي للجمعيات التعاونية إلى غياب ثقافة الوعي بضرورتها أصلاً وبأهمية أدوارها، موضحاً انه على الرغم من وجودها إلاّ أن غالبية القطاعات هي من تبادر بالتواصل معها، وذلك ما ينطبق على مركز التكافل الأسري الذي يبدي دائما الرغبة والمبادرة في التواصل مع الجمعيات التعاونية والخيرية والمدنية لهدف خدمة المواطن.