حمّل المجتمعون في ندوة "الثلاثاء" ثقافة المجتمع وغياب عنصر المبادرة مسؤولية عدم قيام جمعيات تعاونية استهلاكية في المملكة، خاصة أن الدولة دعمت التوجه نحو هذه الجمعيات التعاونية عبر تقديم أرض مجانية للجمعية، و50% من مصاريف التأسيس، ومنح مجلس الادارة 10% من قيمة الارباح، إضافة إلى استقطاع 10% أخرى من الأرباح للتشغيل، مطالبين الغرف التجارية على مستوى المملكة بلعب دور أكبر في هذا الجانب، سواء في تنظيم ورش عمل كبيرة توضح أهمية هذه الجمعيات التعاونية، أو بتبني النموذج الناجح الذي يساعد على توسع الفكرة وتعميمها بالشكل المطلوب. واشاروا إلى أن "الكأس مقلوب" في المملكة، ففي العالم المتقدم الجمعيات التعاونية أكثر من الجمعيات الخيرية، مؤكدين على أنّ الحاجة أكبر في الوقت الراهن للجمعيات التعاونية الاستهلاكية في ظل وجود عدد من الجمعيات التعاونية الزراعية وصيد الاسماك. واقترح المشاركون توجيه الدعم الذي تقدمه الدولة لبعض السلع لصالح الجمعيات التعاونية الاستهلاكية حال قيامها بدلاً أن يوجه لتجار الجملة، وبالتالي تكون لها ميزة تنافسية تساعدها على المنافسة والاستمرارية لتحقق أهدافها في كبح جماح جشع بعض التجار، وخفض نسب التضخم، واختلفت آراؤهم بين مؤيد ومعارض حول حجم كياناتها على مستوى المملكة، ولكن اتفقوا أنه لا جدوى من قيام كيانات صغيرة (بقالات) لأنها قد تجهض التجربة. وفرّق المجتمعون بين الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والشركات المساهمة، حيث إنّ الثانية هدفها ربحي فقط، بينما الأولى لها أهداف اجتماعية واقتصادية، ولابد لها أنْ تمزج بين الهدفين، إضافة إلى أن الأولى السماح بمشاركة أكبر عدد من المساهمين ولا يتملك فيها المؤسس أكثر من 10% على عكس الشركات المساهمة التي يعطى الجزء الأكبر منها للمؤسسين والنسبة الأقل لبقية المساهمين، مشيرين إلى أنّ للجمعيات التعاونية قيم اجتماعية كثيرة منها ترسيخ مبدأ التعاون بين أفراد المجتمع، والرقابة المجتمعية؛ لأنّ الكيان يهمهم جميعاً، والانتخاب للمصلحة العامة وليس للمصالح الشخصية، مشددين على أنّ مصلحة المجتمع مقدمة على مصالح التجار، ومتى ما وجدت هذه الجمعيات فعليها أنْ تحظى بالدعم الكامل. موازنة الأسعار بدايةً يشير "د. هاشم" إلى أنّ المسؤولية الاجتماعية في ظل اقتصاديات السوق الحر تعني في أحد جوانبها الأساسية أنّ لا تتخلى الدولة عن دورها في ضبط موازنة الأسعار، ومنها الأسعار الاستهلاكية، وهناك عدة طرائق لتحقيق هذا الهدف وأهمها الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التي تقدم خدمات وسلعا بأسعار مخفضة مقارنة مع أسعار السوق، داعياً إلى إنشاء مثل هذه الجمعيات بكيانات كبيرة؛ لأنّ الجمعيات بمفهومها الواسع عليها كثير من الأعباء، وبالتالي كلما كان هناك عمل متخصص كان الناتج والمنتج أفضل. مفهوم اقتصادي وتساءل "إدريس": هل المجتمع بحاجة لمثل هذه الجمعيات التعاونية؟، وأجاب - من وجهة نظر شخصية - نعم، نحن بحاجة إليها، أمّا بالنسبة إلى الآليات التي توضع لهذه الجمعيات فعليها الخروج عن نطاق الجمعيات الخيرية والعمل الخيري، وأن تقام بمفهوم اقتصادي حتى يكون أداؤها بشكل لائق يضمن استمراريتها، ومن المعروف أنّ هذه الجمعيات هدفها اجتماعي ولكن لابد أنْ يكون عملها اقتصادياً، مشيراً إلى أنّه مؤمن بالكيانات الكبيرة؛ لأنّها هي القادرة على المنافسة وعلى الاستمرار وعلى العطاء بشكل أفضل مع إيجاد إدارات إقليمية تلبي حاجة كل منطقة على حدة فالاحتياجات تختلف من منطقة إلى أخرى. المقاصف المدرسية وأوضح "م. برهان" أنّ المقاصف المدرسية كانت تدار في السابق بشكل تعاوني وهي نموذج مصغر للجمعيات التعاونية، والآن نتيجة لغياب ثقافة العمل التعاوني نجد أنّ المملكة متأخرة جداً في هذا الجانب مقارنة مع دول المنطقة، مؤكداً أنّه تفاجأ عندما علم أنّ في مصر 2000 جمعية تعاونية إسكانية وفي المملكة لدينا جمعية وحيدة، فالجمعيات التعاونية أشبه بالشركات المساهمة وهي مختلفة كلياً عن الجمعيات الخيرية في طريقة عملها، وإن كانت تتشابه معها في أهدافها وهي العمل الخيري. نظام خاص وأشار إلى أنّ الدولة شرعت لهذه الجمعيات منذ زمن طويل وتم تعديل النظام في عام 1429ه وتمت تغطية جزئيات كبيرة من احتياجات هذه الجمعيات، وخصص النظام لعدد من القطاعات لعمل الجمعيات التعاونية منها الزراعية وهذه هي الأكثر عملاً في المملكة، وأيضاً جمعيات صيد الأسماك والاستهلاكية والإسكانية والمهنية، مؤكداً أنّ المشكلة أنّ التشريعات ساوت بين هذه التخصصات ولم تخصص لكل قطاع على حدة، فمثلاً جمعيات الإسكان بحاجة لنظام خاص بها يختلف عن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، التي بدورها تختلف عن الجمعيات التعاونية لصيد الأسماك أو الجمعيات التعاونية الزراعية. الخلل واضح وأضاف "م. برهان": إن معاناتنا تكمن في أنّ "الكأس مقلوبة"، ففي العالم المتقدم الجمعيات التعاونية أكثر من الجمعيات الخيرية، ويوجد لدينا حالياً 165 جمعية تعاونية، ولدينا أيضاً أكثر من 950 جمعية خيرية، ومن هذه الأرقام يظهر أنّ الخلل واضح، وللمعلومة في أمريكا (متاجر بيع الجملة) هي جمعية تعاونية استهلاكية، وتمتلك أكثر من ألف فرع، مؤكداً أن الجمعيات فرصة سانحة لمساهمة أكبر عدد من أبناء الحي أو القرية أو أي قطاع في هذا الكيان، بحيث يتحصلوا على تخفيضات جراء اشتراكهم، وفي النهاية يتحصلوا على أرباح، كما أن حجم رؤوس الأموال المستثمرة في الجمعيات التعاونية في المملكة هي 165 مليون، بينما في الدول الاوروبية تصل إلى مليارات الدولارات. الاحتياج الفعلي وقال: "حالياً يوجد لدينا جمعيات تعاونية زراعية وصيد أسماك بينما الاحتياج الفعلي هو لجمعيات تعاونية استهلاكية وإسكانية، والحقيقة الأكبر نحن بحاجة لكل أنواع الجمعيات التعاونية؛ لأنّ كل واحدة منها تخدم فئتها، ولكن الاستهلاكية والإسكانية تخدم شريحة كبيرة، والمطلوب من وزارة الشؤون الاجتماعية إعطاء صورة واضحة عن الجمعيات التعاونية في المملكة، وإظهار حجم رؤوس الاموال المستثمرة فيها وحجم العمل فيها فما ذكر عن 240 مليون هو رقم ضعيف جداً، وأقول كفانا جمعيات خيرية نريد جمعيات تعاونية". ثقافة الجمعيات وأكد "المحمدي" على أنّ الإشكالية ليست في النظام أو الترخيص، فالنظام موجود من السابق وعدل عام 1429ه، والتقصير عندنا في نشر ثقافة الجمعيات التعاونية، وهذا دور وسائل الإعلام في نشر هذه الثقافة وتوعية الناس بأهمية الاجتماع في كيانات تسمى جمعيات تعاونية في كافة التخصصات والاحتياجات، والجانب الثاني لابد من أشخاص مبادرين، كما حصل حين تم إنشاء الجمعية التعاونية لموظفي الخطوط السعودية. إعانات قوية وأوضح أنّ كل مجموعة بإمكانها تأسيس الجمعية التي تحتاجها وفي الغرض الذي يخدمها، والدولة لم تقصر في هذا الجانب، حيث تقدم إعانات قوية جداً وموجودة في نظام الجمعيات التعاونية، كما تقدم ارض مجانية للجميعة و50% من مصاريف التأسيس، والدولة دعمت تاسيس مثل هذه الجمعيات، ولكن نحن بحاجة إلى مبادرات ناجحة وأمثلة يمكن تطبيقها والاقتداء بها، حيث في "مشروع الأمير فواز" كانت هناك تجربة متواضعة لتأسيس جمعية تعاونية استهلاكية، ولكن للأسف تواضع التجربة لم يشجع الأحياء الأخرى على أن تحذوا حذوها. ميزة تنافسية وأضاف "المحمدي" أن الجميل في نظام هذه الجمعيات أنّها مفتوحة لأكبر عدد من المساهمين، وبالتالي الفائدة تعود على هذا العدد من المساهمين فالأرباح لا يستفيد منها تاجر واحد، وإنّما تكون موزعة على عدد المساهمين، وهي تقبل الهبات ولكن لا تطلبها، مشيراً إلى أنه في حال قيام مثل هذه الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بإمكانها المطالبة بتوجيه الدعم الذي تقدمه الدولة لبعض السلع لصالحها بدلاً من توجيهه لتجار الجملة، وبالتالي تكون لها ميزة تنافسية، مؤكداً أنّ الجمعيات التعاونية هي أشبة بالشركات المساهمة، وبالتالي هي بحاجة إلى إدارة كفاءة واعية تكون قادرة على إنجاح العمل والمضي به في الطريق الصحيح، ومتى ما وجد مثل هؤلاء الأشخاص في أي مجتمع أراد أن يكون جمعية تعاونية في إمكانية نجاحه وفرصة تكون أكبر من المجتهدين وحدهم. العملية مجدية وقال: "على سبيل المثال لو طلبنا من رجل أعمال إدارة جمعية تعاونية استهلاكية، فسيقول: أنا بالكاد أدير أموالي مع أنّ هذا العمل ليس مجاني أو من دون مقابل بل النظام كفل لمجلس الإدارة 10% من الأرباح و10% من الدولة، أي أنّ مجلس الإدارة ضمن 20% من الأرباح؛ تكون لهم بخلاف نصيبهم من التأسيس، فالعملية مجدية لمن أراد تأسيس مثل هذه الجمعيات وإدارتها بطريقة اقتصادية صحيحة". جدوى اقتصادية وأضاف: - من وجهة نظري - لا أميل للكيان الكبير؛ لأنّ واقعنا العام لا يقبل بها ولا يمكن تطبيقها، وأقصد بالكبيرة أن تكون جمعية واحدة على مستوى المملكة فهذا الشي مستبعد وصعب تحقيقه، وبالمقابل لا نحتاج إلى قيام بقالات، وإنّما نحن بحاجة إلى كيانات معقولة ومقبولة، ولا نريد أنْ نبدأ ضعيفين ونفشل المشروع، ولا نريد كذلك أن نقفز قفزاً، ولا نستطيع أنْ نجاري المشروع، داعياً إلى إيجاد فكرة واضحة وجدوى اقتصادية وعمل منظم، لأنّ هذا المشروع أو العمل يحمل جانبين شق اجتماعي يتمثل في استفادة عدد كبير من أبناء المجتمع وفي الحد من زيادة الأسعار، وأيضاً شق اقتصادي يتمثل في تنمية دخل المجتمع، مؤكداً أنّها أشبه بشركة مساهمة وليست شركة مساهمة؛ لأنّها تهدف إلى الربح والعمل الاجتماعي مزيج بين العملين ولهذا أهدافها غاية في النبل، ولا نغفل عملها على تعليم أفراد المجتمع على التعاون فيما بينهم. كسر الاحتكار وأشار "د. هاشم" إلى أنّ الجمعيات التعاونية أفضل الوسائل المتاحة للدولة لتنفيذ سياستها الاقتصادية الداخلية إذا طبقت بطريقة صحيحة، ولهذا لابد أن تدار بعقلية اقتصادية تجارية استثمارية، متمنياً إنشائها لتكون منافسة وأنْ تكسر الاحتكار متى ما خطط لها بشكل صحيح وأديرت بطريقة صحيحة، فالمنافسة التي ستوجدها ستكون لمصلحة المجتمع. ودعا "إدريس" إلى إدارة الجمعيات التعاونية بفكر تجاري اقتصادي بحت، ولن تكون منافسة لأنها تخدم فئة معينة، ولو كان هناك متضرر منها فعليه مراجعة حساباته، لأنّ الأهم هي مصلحة المجتمع وليس مصلحة أفراد، مصلحة المجمتع مقدمة على مصلحة التجار. مسؤولية جماعية وأوضح "برهان" أنّ الدول المتقدمة يكون التدوير فيها لرؤوس الأموال، وعندنا التدوير للأرباح، وهناك تكون المكاسب قليلة بالنسبة للسلعة الواحدة ولكنها كبيرة بالنسبة لحجم المبيعات الكبير، مضيفاً: في الدول المتقدمة الجمعيات التعاونية مكملة وليست منافسة، مؤكداً أنّ المشكلة أننا متأخرون جداً في هذا المجال، فالآن لا توجد أي جمعية استهلاكية على مستوى المملكة، وهذه مسؤولية جماعية، فالغرف التجارية يفترض أن تلعب دوراً مهماً في هذا الجانب وأنْ تساعد على قيامها عن طريق تنظيم ورش عمل، وخلق مبادرة عن طريق أعضائها مادام أنّ هذه الغرف ترفع شعار المسؤولية الاجتماعية، مشيراً إلى أنّ منطقة الخليج لديها تجربتان ناجحتان لماذا لا نستفيد منهما في كل من دولة الإمارات والكويت؟، والفرد يكون حريصا على التوجه لهذه الجمعيات؛ لأنّه مساهم فيها وتعود عليه أرباحها. الخبرة الكافية وأوضح "المحمدي" إلى أنّ الجمعيات التعاونية منافسة لمحلات التجزئة من دون نقاش، والسؤال الأهم كيف يمكنها أنْ تكون منافسة؟ خاصة وأنّ التجار لديهم الخبرة الكافية والتجربة الطويلة في هذا المجال، والإجابة تكون بدعم الدولة حتى تستطيع هذه الجمعيات المنافسة بقوة، وأن يكون لها موطئ قدم داخل السوق، ومن دون هذا الدعم ستكون في العراء وفي مواجة قوية مع منافسين أشداء، فالدعم يفترض أنْ يكون موجها للسلع الأساسية وبشكل مقنن، مشيراً إلى أنّ الأمر الآخر المساعد لها على المنافسة هو دخول أكبر عدد من المساهمين، وبالتالي يكون ولاؤهم لها لأنّهم في نهاية الأمر هم المستفيدون سواء من الأسعار المخفضة أو الأرباح التي توزع عليهم، بحيث تكون الفائدة فائدتين، أرباح، وأسعار مخفضة والأهم أنها الوسيلة المثلى لوقف جشع التجار، وهذا الأمر يتطلب دعما إعلاميا كبيرا في هذا الجانب. الإدارة المتمكنة وأضاف: إنّ هذه الجمعيات بحاجة إلى الإدارة القادرة والمتمكنة التي يمكنها إيجاد فرص سانحة ومكاسب فعلية، قائلاً: "أذكر مثلاً في هذا الجانب، حيث نحن في المستودع الخيري نشرف على توزيع زكاة الفطر، ونوزع أكثر من 65 الف كيس رز "زنة 45 كيلو"، ومع هذه الكمية الكبيرة بدأنا في مفاوضة التجار موردي الأرز الذين أبدوا استعدادهم لتقديم أسعار مغرية وبأرباح قليلة في ظل ضمان بيع كمية كبيرة، وبالفعل حصلنا على أسعار أكثر من رائعة مقارنة مع أسعار السوق وهذه التجربة تزداد نضوجاً كل عام عن سابقه". هدف اجتماعي وأشار إلى أنّ هناك نموذجين للجمعيات التعاونية الاستهلاكية؛ ففي الدول النامية يكون هدفها اجتماعيا بشكل أكبر، حيث تقدم مواد استهلاكية رخيصة بجودة ضعيفة، أما في الدول المتقدمة فتقدم مواد استهلاكية بجودة عالية ومنافسة وبتكلفة أيضاً منافسة، إضافة إلى أنها تساعد على توفير فرص عمل جيدة للمجتمع. ثبات الأسعار وأكد "المحمدي" أنه مع غلاء الاسعار بدأت تظهر الحاجة لهذه الجمعيات التعاونية الاستهلاكية كضرورة ملحة وبشكل واضح، ففي السابق لم نكن نحتاج إليها في ظل ثبات الأسعار، ولكن الآن اختلف الوضع والقادم أكبر مع استمرارية ارتفاع الاسعار وتسارعها في هذا الجانب، داعياً إلى البدء من الآن، وإلا ستتطور الأمور وتصبح الحاجة أعلى بكثير من الإمكانات، ونحن إن بدأنا الآن فنعتبر متأخرين فكيف إذا تأخرنا أكثر من هذا؟.