ينتظر الكثير من المواطنين والمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي موسم الصيف لاختيار وجهاتهم السياحية، الأمر الاعتيادي والمتكرر في مثل هذا الوقت من كل عام، حيث تلتهب الأجواء وتكثر العروض السياحية المغرية وبرامج مواسم العطلات، الا أن صيف السعوديين هذا العام يختلف عن سابقاته، حيث من المتوقع أن يزداد تدفق السعوديين الى عدة دول خليجية وعربية ليس لأغراض السياحة فقط، بل ستكون وجهاتهم نحو أسواقها المالية أيضا، إذ أن الظاهرة الملفتة للانتباه بالنسبة للمواطنين السعوديين، هو ارتفاع معدل أولئك المضاربين في أسواق المال الخليجية ومصر وبالذات في السنوات القليلة الماضية، حيث شهدت أسواق المال في كل من دبي والدوحة والقاهرة تحولات هيكلية وجذرية فتحت شهية المستثمرين السعوديين نحو تحقيق المزيد من الربح المضمون والسريع في هذه الأسواق الواعدة، الأمر الذي ارتأت «الرياض» ضرورة تسليط الضوء عليه لمعرفة حجم تأثير المستثمرين السعوديين على حركة التداول في سوق دبي للأوراق المالية على وجه الخصوص، والبحث في الأسباب الكامنة وراء اهتمام المضاربين من المملكة في حركتي المال والأعمال في دبي، وما هو حجم تأثيرهم الفعلي على حركة السوق هناك. وقد نجحت دبي منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي في قلب موازين المعادلة وقهر الظروف المناخية الاستثمارية في المنطقة، من خلال سلسلة من الاجراءات والقوانين والمعايير المدروسة والتي كان لها الأثر في تطوير فرص الاستثمار في إمارة دبي وجذب رؤوس الاموال العالمية للاستثمار في مناطقها الحرة وقطاعات العقار والسياحة فضلا عن الاستثمار في سوق الاسهم، والذي كان بدوره قد جذب المواطنين من المملكة، ومن المعروف أيضا في هذا السياق أن السعودية هي أكبر سوق تجاري وصناعي في المنطقة، وأهم منتج للطاقة في العالم، ويتوفر لديها سيولة رأسمالية ضخمة على المستوى العالمي، ورغم تعدد أوجه النشاط الاستثماري في داخل السوق السعودي، إلا أنها لم تكن بالقدر الكافي والمناسب لتكون محط جذب الاستثمارات الاجنبية باستثناء الاستثمار في قطاع النفط والغاز، حتى أن رجال الاعمال السعوديين ورغم التحولات التي حدثت في حركة انتقال رؤوس الاموال الى داخل المملكة في السنوات الاربع الماضية، الا ان محطات الجذب مازالت تتشكل على أطراف المملكة، خاصة بالنسبة إلى صغار المستثمرين السعوديين، والتي غصت بهم قاعة التداول في سوق دبي المالي، وكان ل «الرياض» جولة لها هناك، من أجل التعرف على توقعاتهم لحجم الاستثمار السعودي في دبي، ومدى تأثيره على اقتصاد الامارة، والاسباب التي ما زالت تدفع بالكثير من السعوديين للاستثمار خارج المملكة. قلب الموازين بداية كان ل «الرياض» لقاء مع أحد المستثمرين السعوديين ويدعى محمد اليحيى من مدينة جدة، وذكر أنه أحد صغار المستثمرين الذين يترددون على سوق دبي المالي من شهرين فقط، مؤكدا أن سوق دبي أثار انتباهه وأنه يراقب بشكل شبه يومي حركة التداول هناك، مؤكدا ان المستثمرين السعوديين استطاعوا التأثير على السوق الذي يشهد انتعاشا متواصلا، وأكد اليحيى أن صيف دبي المالي سيكون ملتهبا، وأن حجم تأثير رجال الاعمال السعوديين كما الصحافة السعودية على اوضاع السوق هنا كبير جدا، حيث أثار نقطة تدني سعر سهم «اعمار» وكيف أنه انخفض بشكل كبير مؤثرا سلبا على أداء سوق دبي المالي ككل، واشار الى ان تواجد العديد من السعوديين في السوق بشكل يومي أصبح جزءا رئيسيا من تركيبته، وأن هذا الحضور مهم لكافة الشركات المتداولة أسهما هناك،حيث أن الصفقات التي يعقدونها لها تأثير كبير على حركة التداول وقادرة على قلب الموازين. ارتفاع طوال الصيف كذلك عبّر السيد تركي العوني وهو أحد المستثمرين السعوديين المتواجدين بشكل شبه دائم في سوق دبي المالي عن ثقته بالسوق، وأن كل المؤشرات تجري باتجاه أن يحافظ على معدلات مرتفعة طوال الصيف، وان انتعاش سوق العقارات في دبي يرفع الاسهم باضطراد، وذكر العوني أن توجه السعوديين للاستثمار في سوق دبي للاوراق المالية يعود لأسباب موضوعية مفادها القيمة المعتدلة للسهم عند الاكتتاب، كذلك القيود التي تفرضها ادارة السوق على المضاربين، والتي تقلل من هامش المخاطرة والخسارة، وهذا ما شكل عامل جذب لصغار المستثمرين للمضاربة في السوق، كما أنه نوه الى ان موسم العطلات الحالي سوق يدفع بالعديد من السعوديين للتوجه نحو دبي لقضاء عطلة الصيف، وأن جزءا كبيرا من هؤلاء سوف ينشطون في سوق دبي. أفضلية الاقتصاد السعودي من جهته ذكر عطا الله العوني شقيق السيد تركي والذي بدأ الاستثمار في سوق دبي منذ أكثر من عامين، أن السوق مشجع وواعد ولكن للاستثمارات قصيرة الأجل فقط، مؤكدا ان أسواق المال السعودية هي الافضل في نهاية المطاف لأن الشركات السعودية سواء في مجال الطاقة أو الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها تمتلك رؤوس أموال أكبر، رغم ارتفاع قيمة اسهمها عند الاكتتاب قياسا بالحاصل في سوق دبي، الا انها على المدى الطويل توفر للمستثمر فرص ربح اكبر، لكنه طالب بالمزيد من التغييرات في قوانين السوق السعودي حتى يتاح المجال لقطاعات واسعة من السعوديين للاستثمار والادخار في سوق الأسهم. دبي لم تعد لأهلها هذا وعبّر أحد كبار رجال الأعمال السعوديين والذين يستثمرون جزءا من أموالهم في سوق دبي المالي ويدعى أمين عبد الرحمن أبا حسين، عن ثقته الكاملة في سوق الاسهم بدبي، مؤكدا أنه كغيره من الأسواق يتعرض لعمليات هبوط وارتفاع ويتأثر بالشائعات، ولكن حكومة دبي لن تسمح بانهياره أبدا، وقد صادف كلام أبا حسين مع تدخل صناديق الاستثمار بقوة في عمليات شراء واسعة للأسهم من أجل وقف الهبوط السريع في الأسعار مع بداية جلسة التداول الذي شهدت انخفاصا تجاوز 6٪ في قيمة سعر أسهم «إعمار»، لكنه من جهة أخرى أكد أن دبي «لم تعد لأهلها» وهي مفتوحة للجميع بمن فيهم السعوديين أصحاب القدرة والخبرة في مجال الاستثمار بالاسهم. أسهم وعقارات هذا ويستثمر السعوديون في مجالي سوق الاسهم والعقارات بدبي بشكل لا فت وكبير، وفي السنة الاخيرة وحدها توسع نشاطهم ليشمل دولة الامارات ككل، ويضيف في هذا المجال أبا حسين انه يستثمر جزءا فقط من امواله في الامارات حال معظم رجال الاعمال السعوديين، وان الاموال السعودية ليست مهاجرة بالكامل خارجها، مؤكدا أن مجالات وحظوظ تحقيق الارباح من اسواق المال السعودية كبيرة جدا. معوقات الاستثمار وبمقارنة الأوضاع بين سوق دبي المالي وأسواق المال السعودية، أكد أبا حسين أن الاولى تحظى بانظمة وثقة وشفافية في التعامل أكبر منها في المملكة، مشيرا ان هيئة الاوراق المالية السعودية حديثة العهد وكان لزاما على المملكة أن شرعت بانشائها منذ فترة طويلة جدا وليس فقط منذ ثلاثة أشهر، كما طالب أبا حسين وغيره من المستثمرين السعوديين بضرورة انشاء مكاتب وساطة في السعودية لأنها تسهل عمليات البيع والشراء فضلا على أن النسبة التي تحصلها من اجمالي حركة التداول أقل من تلك التي تقتطعها البنوك السعودية والتي تشرف على عمليات التداول في سوق الاوراق المالية في الرياض، كما طالب معظم المستثمرين السعوديين التي التقت بهم «الرياض» بسوق دبي بضرورة افصاح الشركات السعودية عن مراكزها المالية وطرح أسهم جديدة لها للتداول من اجل امتصاص حجم الاموال الهائلة في المملكة ومنع احتكار كبار المستثمرين للسوق، فضلا على منع عمليات الاستدانة الكبيرة والتي ادت الى افلاس الكثير من صغار المستثمرين السعوديين. السيولة الكبيرة هذا وأكد العديد من رجال الاعمال في السوق المالي الى توفر سيولة ضخمة وكبيرة تقدر بالمليارات لدى المستثمرين السعوديين، ورغم قدرة هؤلاء على التحكم في مسار أي سوق مالي في المنطقة، الا أنهم يعبرون عن استيائهم لتدفق الاموال الوطنية باتجاه أسواق اخرى خارج المملكة في دبي والدوحة والقاهرة، مطالبين بتوسيع عمليات الاكتتاب في المملكة لامتصاص فائض الاموال المتكونة بفعل تحسن المناخ الاقتصادي العام في السعودية، وضرورة طرح الشركات لأسهم اضافية في السوق، معبرين عن استغرابهم على سبيل المثال من الاعلان قبل أكثر من سنة عن شركة «مي اند تي» لأنابيب الفيبر جلاس دون طرح أسهمها للاكتتاب، مُتسائلا أحدهم عن سبب الاعلان عنها منذ البداية، في حين توقع اخرون أن استمرار الوضع عليه في السعودية من دون تحديث الانظمة والقوانين سيدفع بالمزيد من اصحاب رؤوس الاموال للاستثمار في الاسواق الخليجية المجاورة. أهل السوق والعارفين ببواطن الامور من أهل السوق وكبار المستثمرين السعوديين، توقعوا بأن سوق دبي للاوراق المالية وخلال شهرين على الاكثر سيكون خاضعا لتأثير السعوديين بشكل كبير، وهذا ما أكده ايضا بعض السماسرة والعاملين في مكاتب الوساطة الموجودة في السوق، والذين أشاروا بارتفاع نسبة الداخلين من المملكة في سوق دبي المالي، في حين رفض آخرون التعليق على هذا الموضوع مؤكدين ان ادارة السوق المالي بدبي تعرف ما عليها عمله. وفي نهاية المطاف سواء كانت الاسواق الخليجية والعربية مستفيدة أو حتى خاضعة لحجم تأثير وقوة المستثمرين السعوديين، فان معظم المتداولين والمضاربين من المملكة أبدوا حرصهم الشديد وانتماءهم المطلق للاقتصاد السعودي مطالبين الجهات المختصة الاسراع بتطوير الانظمة الاقتصادية والمالية السعودية، مؤكدين أن لهذا الامر بالغ الاثر في نفوسهم من أجل زيادة وتيرة إسهامهم بنهضة المملكة المشهود لها للقاصي والداني.