أجهزة التكييف: وأجهزة التكييف تعطينا باليمين، وتضر بنا باليسار، اي أنها تمنحنا «برودة صناعية» وتفسد الهواء الطبيعي من الخارج، وتزيد نسبة الحرارة، والاختناق، واللهيب، والهواء الملوث، وكلما ركبنا رأسنا، وقمنا بتركيب «مزيد من أجهزة التكييف» كلما زاد اللهيب من الخارج، وزادت الحرارة، وزاد الاختناق، وأصبح الجو ملوثاً بسبب أجهزة التكييف هذه.. ولا أحد يصدقك إذا قلت له أن أجهزة التكييف تتلف الجسد بمرور الوقت، وان الاستغناء عنها، أو التوقف بعض الوقت عنها فيه فائدة صحية له، وان «قطرات العرق» تفتح مسام الجسد، وتذيب السموم المخترنة داخلها فهو يريد أن يستمتع بهذه النسمات الباردة الصناعية التي «تنقذه» من الجو اللاهب، ولا يهم بعد ذلك - النتيجة - التي ستحدث، إنما المهم هو التخلص من متاعب، ومعاناة الأجواء اللاهبة ولو بهذا الاسلوب الصناعي البارد. عصر «الاستعمار البارد» وهذا الاسلوب الصناعي البارد يطلقون عليه «الاستعمار البارد».. والاستعمار البارد هو هذه الأجهزة التي تكيف الجو داخل الغرف، والممرات، والسيارات فتحيله من حار، إلى بارد، ومن لهيب، إلى نسمات ناعمة تهب على أجسادنا فيصيبنا هذا الانتعاش، وهذا الاحساس بالسعادة فاذا حدث وانقطع التيار الكهربائي «خرجنا من ثيابنا» و««فقدنا أعصابنا» لأننا قد استسلمنا لهذا الاستعمار البارد، الخبيث «تماما كما تستسلم الدول الضعيفة للاستعمار القوي» فأصبح صحيحاً أن نقول عن أجهزة التكييف، والهواء المنعش الذي تبثه بانه استعمار بارد لم نعد قادرين على الاستغناء عنه. وقد نجح الاستعمار البارد في أسرنا، ووضعنا تحت رحمته ليل، نهار، واصبحنا لا نطيق العمل، او الاسترخاء بدون أجهزة التكييف، او بدون هذا الاستعمار البارد حتى اننا نترك مفاتيح هذه الأجهزة في حالة تشغيل طوال الوقت دون راحة لها، ودون راحة لأجسادنا من آثارها المحتملة. دكاكين الصيانة.. والاستبدال وتنشط دكاكين الصيانة من جهة، ومعها دكاكين الاستبدال من جهة طوال فصل الصيف «الذي يستمر عادة ستة شهور بدلا من ثلاثة شهور كما هو الحال في الخارج».. دكاكين الصيانة هي الأسرع في الوصول عند أول نداء، وأول بلاغ يرسل لها فيحضر الونيت، ويصعد اثنان إلى السكن «عامل، وفني».. ولا يستغرق الكشف أكثر من دقيقتين ليقول لك الفني «الخراب هنا».. ويحمل العامل المكيف على ظهره، وبعد يوم يعود إليك جهاز التكييف «سليماً، معافى» حسب نوع اجتهادات، وخبرات الفني، وعامله، ويجوز أن يعود جهاز التكييف للاضراب عن البرودة فتقرر لحظتها اللجوء إلى دكاكين الاستبدال لانقاذك من «شدة الحر، والرطوبة» فتحصل على جهاز تكييف جديد اذا أطلت تشغيله أصيب بالعطل، كما يصاب جسده بالترهل السريع فغالبا تكون الصناعة دون المستوى المأمول، وهذا يتضح من الوهلة الأولى في اسلوب البيع، ووكلاء البيع، وكثرة دكاكين البيع، وأسماء الدول التي تقوم بالتصنيع «ولا يغرك شكل، ولون، وحجم جهاز التكييف» فهذه أشياء ظاهرية فقط. الرطوبة والغبار، والغش يقول المهندس أسلم فضل انه أمضى أكثر من عشرين عاما في صيانة واصلاح أجهزة التكييف، ولمس الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى عطل، وخراب هذه الأجهزة وهي أن كثيرا من السعوديين يحرصون على تشغيلها معظم شهور العام، ولا يمنحونها راحة مطلقا الا اذا توقفت هي عن العمل من تلقاء نفسها نتيجة الاجهاد، ونتيجة الغبار، والرطوبة، ولحظتها يتم استدعاؤنا، ثم ظهرت في العشر سنوات الأخيرة أجهزة تكييف ليست بتلك الجودة المعروفة سابقا «ثمنها يدل عليها احيانا».. وهذه الأجهزة الحديثة لا تستطيع تلبية مطالب السعوديين بالعمل دون انقطاع فنحضر بسبب غياب الشركات الخاصة بأعمال الصيانة، ونجتهد في سبيل - انقاذها - من المصير الذي آلت اليه نتيجة هذا التشغيل الدائم لها، وأحيانا يحالفنا التوفيق، وأحيانا لا يحالفنا خاصة اذا تمكن الغبار منها، وتمسكت الرطوبة بها، وكانت من الصناعات غير ذات الجودة السابقة، وعندها نبلغ صاحب جهاز التكييف بالأمر فيلجأ بدوره لمعارض الاستبدال..! يضيف المهندس اسلم: أن ترشيد الاستهلاك الكهربائي «والمقصود به ترشيد استهلاك أجهزة التكييف في فصل الصيف الطويل» لا يفيد فقط في تخفيف الفاتورة بل يفيدنا في ان تكون لنا ارادة قوية لتخفيف هذا الحمل على أجسادنا من أجهزة التكييف، ويجعلنا قادرين على تحمل موسم الصيف، ويجعلنا أقل عصبية، ونرفزة. وطبعا - يقول المهندس اسلم - اننا لا نريد أن نقطع رزقنا بهذا الكلام، وهذا التحذير لكن النصيحة واجبة لمن يريد أن يسمعها، ويريد التأكد منها ليتخفف من الاستعمار البارد، ومن عبودية أجهزة التكييف اذا كانت «تجلب» لنا أمراضا فتخفف عنا وطأة الحر، ولهيبه، وتفتح الطريق واسعا لنا للذهاب نحو المستشفيات، والمستوصفات، والصيدليات.. «كعكة» الصيف الباردة ويتحدث رضوان أحمد مهندس أجهزة تكييف فيقول: كما انتشرت أجهزة التكييف في مدينة جدة انتشرت دكاكين الصيانة في الشمال والجنوب والشرق والغرب وفي الحواري، والأزقة، وكل مكان تقريبا فأصبح موسم الصيف الطويل - الذي يستمر في مدينة جدة ستة أشهر - مثله مثل بقية شهور العام بعد أن موسما لنا يوفر المال الذي نصرفه على شهور الكساد فقد بلغت دكاكين الصيانة الخاصة بأجهزة التكيف، وصيانتها، واصلاحها في مدينة جدة ما يقارب عشرة آلاف دكان صيانة وعدة كل دكان سيارة ونيت، وعامل يقوم بحمل جهاز التكييف، وكل دكان ينوبه من كعكة الصيف حوالي ثلاثة آلاف مكيف يقوم باصلاحها، أو تعبئتها، أو تنظيفها، أو تبديلها، وتركيب الجديد «اي ان كل دكان يكون نصيبه في الشهر 500 جهاز تكييف إذا كان هذا الدكان معروفا وله زبائن ثابتين» والتقديرات الأولية تقول ان سكان مدينة جدة يصرفون في فصل الصيف الطويل حوالي مائة مليون ريال، واضعاف، اضعاف هذا المبلغ على فواتير الكهرباء «لأنهم لا يرحمون أجهزة التكييف من التشغيل الدائم.. والمستمر، ولا يرحمون أجسادهم من آثار هذه الأجهزة، ولا يرحمون مناخ مدينتهم من السموم التي تنفثها هذه الأجهزة ليل، نهار» فتتعرض أجهزة التكييف للأعطال المستمرة، وتتعطل الابدان من بقائها الطويل تحت رحمة هذه الأجهزة، ويتلوث الهواء الخارجي من سموم هذه الأجهزة، وأذكر أن كثيرا من السكان كانوا قبل أكثر من عشرين عاما لا يستخدمون أكثر من جهازين، أو ثلاثة، أو أربعة في البيت الواحد، ثم أصبحوا حالياً يستخدمون جهاز تكييف في المطبخ، وآخر في الحوش، وثالث في الحمام ..! وكلما زاد عدد أجهزة التكييف في السكن كلما زاد الاحساس بالجو الخانق لمجرد الخروج من الغرفة، والانتقال لغرفة أخرى، والنزول للشارع، ولا نجد حلاً، لهذا الاحساس الا بتركيب أجهزة تكييف جديدة ليكون «الاستعمار البارد» قد نال منا، واسقطنا في فخه، او في شراكه، ونكون نحن قد ساهمنا بواسطة هذه التقنية الحديثة في افساد أجسادنا، وتسميم مناخنا، وهدر أموالنا، وضعف مقاومتنا، وضياع فرصة التخلص من السموم التي تحتويها أجسادنا بسموم نظيفها لهذه الأجساد حتى «تعوَّد» صغارنا على عدم النوم اذا لم نطلق على أجسادهم «ريش المكيف» لتصب عليهم من هذا الهواء البارد فاذا توقف المكيف لاي سبب من الأسباب قاموا مفزوعين من عز نومهم..! تكييف السيارات «كارثة» ويخرج الفنيون من موضوع تكييف البيوت الى موضوع تكييف السيارات فيقولون ان هذه المكيفات التي نفتحها على وجوهنا «كما يفتح الظامئ فمه لشربة الماء» هي كارثة، ومع الاستمرار على تشغيلها بهذه الصورة المباشرة تعطي مفعولها السيئ شيئا فشيئا، وهي تصيب الوجه وصاحبه بأمراض - لا سمح الله - وفي امكان الانسان «الذي يريد أن يحافظ على صحته من الأخطار المحتملة» ان يجعل تشغيله بعيدا عنه، وان يكتفي بنسمات خفيفة اذا لم يكن قادرا على إلغائه، واعتقادنا بان تشغيل التكييف داخل السيارة يحمينا من التلوث الخارجي غير صحيح بل إن هذا الهواء الصناعي يجلب التلوث مبرمجا الى صدورنا ويستقر بها، ويفتك بها على مراحل، ولا نريد أن نسترسل في تقديم النصائح وسط هذا «الجو الخانق» فانها لن تفيد لكن لا بأس أن نفكر فيها لعلها مع مرور الوقت تفيد ..أو يظهر - في الأفق - ما من شأنه تصحيحها..