النظافة عنوان اخترته لأسطري التالية وغالباً ما يتبادر لذهن قارئ هذا العنوان (النظافة الحسية) التي طالما كتبت عنها أقلامنا وعبرت عما في عقولنا يوم أن كنا صغاراً في مقاعد الدراسة، كنا نتسابق في تنسيق العبارات عندما يكون درسنا عن النظافة في مادة الإنشاء. وكأني بتلك العبارات تمر أمامي الآن عبر شريط الذكريات كنا نكتب عن نظافة المسكن والملبس والمأكل ولا ننسى أن نعبر عن النظافة في المدرسة والشوارع، ويكبر الصغار ويكبر معهم إدراكهم للمعاني القريبة والبعيدة لبعض الكلمات. وتعلمنا الأيام أن معنى النظافة أعم وأكبر وأشمل من نظافة المسكن والملبس والمشرب، نعم هذه أمور مطلوبة من كل إنسان بوجه عام ومن كل مسلم بوجه خاص فهذا النوع من النظافة من مستلزمات الحياة الهانئة ومن مستلزمات الصحة العامة والخاصة. وقد حثنا عليها ديننا الإسلامي، ولكني هنا لن أتحدث عن النظافة الحسية إنني أتحدث عن النظافة المعنوية والتي ما تكون غالباً متلازمة للنظافة الحسية فمتى ما طبقنا المعنى البعيد والذي يكون غائباً عن الأذهان في كثير من الأحيان فإنه بلا ريب سنطبق المعنى القريب، إنني أتحدث عن نظافة القلب، نظافة النفس وهذا هو المعنى الحقيقي للنظافة في نظري وما أروعه من معنى وما أروعه من إنسان سعى لنظافة قلبه فغسله من الضغائن والأحقاد ومن الآثام، سعى لنظافة عقله وأفكاره، فكل أفكاره تدور حول إصلاح نفسه وإصلاح أهله ومجتمعه والمحافظة على قيمه ومبادئه والمحافظة على دينه ووطنه. إننا عندما نهتم بنظافة مظهرنا وملبسنا ومأكلنا نشعر براحة نفسية وانشراح صدر فكيف إذا وفقنا المولى وجمعنا بين الاثنتين نظافتنا الحسية والمعنوية إننا بلا شك وبكل تأكيد سنشعر براحة مضاعفة وطمأنينة في أنفسنا، لو اهتم كل إنسان بنظافته المعنوية وترفع بأفكاره ونفسه عن سفاسف الأمور لوجد لذة حقيقية يفتقدها الكثير منا، أنا على يقين بأن هناك من وجه النداء العاجل لنفسه ولغيره بتطبيق معنى النظافة الحقيقية ولكن من منا استجاب لهذا النداء المبارك وحلق في عالم المثاليات وطبقها على نفسه؟! هنيئاً ثم هنيئاً لصاحب النفس الزكية والقلب الطاهر والأفكار النظيفة، هنيئاً لكل إنسان يمشي مطمئن البال راضي السريرة مرفوع الرأس أمام نفسه أولاً ثم أمام الناس لأنه قام بحملة تنظيف داخلية كاملة. هنيئاً لكل إنسان طهر نفسه من الرذائل والأحقاد وعطرها بالعمل الصالح وبمحبة الخير وبثه لكل من حوله. وقفة قصيرة: عالم خاص لا يستطيع أحد أن يتجرأ على دخوله ومعرفة خفاياه إلا أنت عالم رائع تحلق فيه كيفما شئت ومتى ما أردت تتحدث فيه مع نفسك بكل شفافية. يسعدك وأنت تتجول بداخله يخفف عليك من آلامك بعض الشيء السفر إليه لا يحتاج لتحديد وقت أو قطع تذكرة عالم يلجه الغني والفقير دون إذن مسبق من أحد ولكونك تحمل الهوية الإسلامية فإنك ستترفع بأفكارك وستسمو بنفسك عن السيئات في هذا العالم الجميل، إنه عالم الخيال عالم جميل وغريب وعجيب.