حوالينا دمار كبير، تشوّهات حياتية وتعاملية وعلائقية تطغى على تفاصيل حياتنا، تنغرس كما نصل حاد داخل جراحاتنا المفتوحة كفوهات البراكين، تضعف من محاولاتنا المستمرة في المقاومة، والمواجهات، وتكييف العيش والروابط بشكل سوي، ومتوازن، وخلق فضاءات تآلف، وحب صادق، وتعاملات إنسانية ليس فيها حالات الريبة، والشكوك، والأحكام المسبقة التي تُطارد الكائن البشري، وتحيل حياته إلى إرباك، وحزن، وتفتت، وإشفاق على محيط اجتماعي تتمحور اهتماماته وممارساته حول تصنيف الناس، وإيجاد الثغرات الرفيعة والهامشية لديهم لتكون مدخلاً للتجريح، ونسج الحكايا، وتزوير الشخصية. حوالينا انهيارات أخلاقية تعاملية مع بعضنا كبشر، نفترض سوء الظن حتى يثبت العكس، أو لا نبحث عن هذا العكس، أو نراه ولكن نقصيه تماماً عن فهمنا وفكرنا، ونغلّب وضع الإنسان في دوائر الالتباس، وبالتالي المحاكمة ولو كانت على النوايا، أو ما يدخل فيما تخفي الصدور، ونبذل جهوداً جبارة ومستميتة تستنزف طاقاتنا، في صيد العثرات، وتصيّد الهفوات عند البشر لتكون الفرصة متاحة ومواتية لإسالة دمائهم، وذبحهم بالكلمة العاهرة، والمطاردة بالتشكيك في ولاءاتهم، وانتماءاتهم، وسلامة عقيدتهم، وممارسات حياتهم وهل هي على الطريق السوي، والصراط المستقيم، أم هي تنحدر في مواقع الخلل، وتشوبها شوائب التجاوزات التي تخرج الإنسان من صفاء العقيدة، وتسير به إلى منزلقات الخطايا والأخطاء، وكأنما علاقتنا مع الله، والوطن، والإرث التاريخي والسياسي، تحتاج دائماً إلى من يفحصها، ويغربلها، ويتأكد من خلوّها تماماً من فايروسات الخيانة، أو عمل العقل، وطرح الأسئلة، والبحث عن ضالة المؤمن، والاقتداء بالهدي «ويتفكّرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك فقنا عذاب النار».. وفي هذا تحريض قوي ودعوة صريحة على التفكير، واستيلاد الأسئلة، واستنهاض العقل ليعمل، ويقرأ الأشياء، ويحلل، ويكوّن الرؤية، ويضع الإجابات ولو كانت قاصرة عن الوصول إلى الحقيقة، ولا أحد بإمكانه الوصول إلى الحقيقة المطلقة ولو كان من الراسخين في العلم، فما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. مشهدنا الحياتي والاجتماعي بائس في كثير من مضامينه التعاملية، نعيش تصحّراً وجفافاً مخيفين في دواخلنا، اغتلنا كل روابط الحب بيننا وبين الآخرين، لم يعد حسن الظن هو محور ارتكاز قيام علائقنا، وحواراتنا، ونقاشاتنا، وفهمنا، مما أحدث شروخاً عميقة في عملية التواصل، والتقارب، وفشلنا بسبب هذا السلوك في ترميم الانهيارات، وإخفاء الندوب والتشوّهات التي ظهرت على سطح المجتمع في أنماط تواصله بين أطيافه، وشرائحه. المجتمع لا يمكن له أن يتحول إلى منتَج المعرفة، والوعي، والثقافة، وتوطين الحداثة بكل فروعها وأدواتها ومضامينها إلا إذا تخلص تماماً من التصنيفات الرخيصة والمتجنية، وصار الحوار سلوكاً وثقافةً وعملاً وممارسة، وأحسنا الظن بالآخرين ولو اختلفوا معنا في الرؤية، وطريقة التناول، ومنهج التفكير.